📁

رواية أوهام الفصل الأول 1 بقلم فاطمة على

رواية أوهام الفصل الأول 1 بقلم فاطمة على

رواية أوهام البارت الأول 1

رواية أوهام الجزء الأول 1

رواية أوهام الحلقة الأولى 1

رواية أوهام الفصل الأول 1 بقلم فاطمة على
رواية أوهام


رواية أوهام الفصل الأول 1


الفصل الأول.


أحد أحياء القاهرة ذات الطابع الهاديء نسبيًا والتي تقطنها تلك الطبقة المتوسطة التي اقتربت من الانقراض، تحديدًا بناية قديمة من خمسة طوابق تعيش بها عائلات من أماكن شتى جمعهم هذا المبنى لسنوات عشرين، فأصبحوا عائلة واحدة كبيرة تترابط بالمصائب  قبل المسرات.


بالطابق الثاني تحديدًا شقة رقم ٤ الخاصة بعائلة "مصطفى الخشاب" الرجل الخمسيني التقي  الذي يعمل موظفًا بوزارة الصحة مع زوجته "سالمة" ذات الثمانية والأربعون من عمرها الطيبة الودودة المعطاءة لجميع من يعرفها والتي تتمتع ببشرة بيضاء مشبعة بحمرة وجنتيها وعيون بنية واسعة ، لم يرزقهما اللي سوى بابنة واحدة كانت لهما العالم أجمع، فكرثوا كامل جهدهم لإسعادها وتلبية جميع متطلباتها، كانت "آلاء" ذات الثانية والعشرون ربيعًا والطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الآداب جامعة القاهرة فتاة سمراء اللون تتمنع بجاذبية خاصة يعشقها الجميع سواها، بعيون بنية وأهداب كثيفة، طويلة ونحيفة كعارضات الأزياء وهذا ما تراه عيبًا قبيحًا بها، كانت بغرفتها الرتيبة إلى حد ما تقف أمام فراشها المغطى بالعديد من الملابس الداكنة الألوان مابين البني والأسود والرمادي وما إلى شاكلتهم من درجات قاتمة، لتزفر زفرة قوية وهي تنتقي طاقمًا كلاسيكيًا من اللون الأسود مغمغمة بحنق شديد :

  - كل يوم نفس الحيرة وفي الآخر بختار بدلة فورمال، يبقى إيه لازمة الفرهدة دي بقا!

 

وتوارت قليلًا وهي تنزع عنها منامتها القطنية ذات الرسومات الغامضة نوعًا ما، لتعود إلى طاولة زينتها الخاوية تمامًا سوى من مشطٍ خشبي تمشط به خصلاتها الناعمة، وقلم من الحمرة البنية، وقنينة عطر هاديء لا يُلاحظ تقريبًا، مشطت خصلاتها بحنق وجمعتها للخلف بحلقة مطاطة وهي تنظر لانعكاس صورتها بالمرآة بسخط شديد مغمغمة باستياء أشد :

  - مش عارفة ليه ربنا خلقني باللون ده رغم إن ماما وبابا حلوين، ذنبي إيه اطلع شبه جدتي التالتة اللي عمري ما شفتها ولا سمعت عنها غير لما خالتي قعدت تتمنظر بجمال بنتها ووحاشتي وتقولي إنها طالعالها. 

 

والتفتت نحو طاولة استذكارها تجمع كتبها بحقيبة يدها مغمغمة بسخرية تامة :

  - على رأيها كل فولة وليها كيّال، وأنا كيالي مش عاوزاة أساسًا، مين هيتجوز واحدة سمرا زي كده في الوقت اللي كل البنات فيه بقت بلوندات. 

  

وغادرت بهالة شديدة من غضبها تحاوطها وهي تجذب باب غرفتها خلفها بقوة قاصدة مغادرة الشقة تمامًا دون الالتفات إلى والدتها التي اتخذت من اليوم إجازة مرضية  لشعورها بوعكة خفيفة، لتستوقفها بصوتها الواهن وهي تجلس حول طاولة الطعام تضع ما بيدها من خبز مرددة بصفاء نفس وحنو شديد :

  - صباح الخير يا "لولو".. تعالي عشان تفطري يا قلب ماما. 

  

حركت رأسها بنفي دون أن تلتفت نحوها أو تلحظ  ارتجافة أحبالها الصوتية، لتهتف بغضب تام :

  - عندي محاضرات ومتأخرة، هجيب أي حاجة أكلها في الجامعة.. باي باي. 

  

ومع آخر كلماتها كانت تصفع باب الشقة بقوة، لتسبل "سالمة" أجفانها بقوة وهي تستند برأسها على كفها المستقيم أعلى سطح الطاولة زافرة زفرة قوية مغمغمة بأسى :

  - ربنا يهديكِ يا بنت قلبي، وينور بصيرتك وتحبي نفسك اللي تستاهل تتحب وعرفي قيمة نفسك وتثقي فيها، وترضي باللي ربنا قاسموهلك يارب يا نور عيني. 


بينما بالخارج كانت "آلاء"  تصب كامل غضبها متذمرة على هذا الجار بالشقة المقابلة الذي ولج إليها صافعًا بابها بقوة وبلا أية مبالاة لهذه التي كانت تقف أمامه. 


******* 

كلية الآداب جامعة القاهرة. 


مجموعة من الفتية والفتيات اجتمعوا أرضًا حول كتبهم يزفرون زفرة قوية وقد تملك اليأس من صدورهم من فك طلاسم هذه المادة العلمية المعقدة كثيرًا بقسم اللغة اليابانية التي لم يتعدى طلابه المئة، لتُلقي إحدى الفتيات ما بيدها من أقلام أرضًا وهي تزفر باحباط تام :

  - أنا دماغي قفلت تمامًا.. مش عارفة إيه خلاني أدخل القسم ده؟.. وإيه خلاني أصلًا أدخل الجامعة!.. أنا واحدة تمامها تتجوز وتقعد في البيت. 

  

مالت نحوها إحدى زميلاتها بمكر شديد وهي تلكزها بكتفها بخفة هامسة بخفوت وأنظارها معلقة بتلك الحلقة الذهبية التي تحاوط بنصرها الأيمن :

  - وحضرة الظابط "أيمن السلاموني" هيوافق إن مراته ما تكملش تعليمها وتكتفي بالثانوية العامة؟ 

  

ارتسمت قلوب نابضة بأحداقها، واشتعلت وجنتاها عشقًا تُطرب شوقًا لابن العم هذا الذي امتلك زمام قلبها وتلاطمت لأجله النبضات قارعة طبول العشق والوله منذ نعومة أظفارهما، فكانت الحكاية الوحيدة التي تتردد بين جنبات بيت "السلاموني" هي حكاية حب وُلد بين قلبين بفطرة سليمة، قلب أقسم أن يكون الأمان والسند والحماية وهو "أيمن ابراهيم السلاموني "، وقلب تعهد بالراحة والمرسى والشطئان وهي "هند أسامة السلاموني" ذات الطابع الهاديء كثيرًا كملامحها تلك التي تبدو طفولية أكثر منها أنثوية، بحجابها الذي يُضيء وجهها نورًا فوق نوره، وأعينها التي تُشبه زروع الحقول والمزارع حول بيتها، أو بيت جدها الذي يضم جميع أفراد العائلة أسبوعياً بإحدى قري مدينة المنصورة، لتتنهد بعشق جارف ونظرات ولهة متمتمة :

  -  "أيمن".. ده الحبيب والصاحب والأخ وابن العم وكل حاجة حلوة في دنيتي.. ده بيه بيحلو يومي، وبتضحك حياتي.. ده اللي عشانه قلبي بينبض وبيعيش. 

  

لتستفيق من هيامها هذا بعدما رمقت صديقتها المقربة "آلاء" تحيد عنهم بخطوات غاضبة وهي تتجه نحو أحد تلك المقاعد الخشبية الجانبية لطرفي الطريق وتجلس أعلاه مُلقية حقيبتها إلى جوارها، لتنهض "هند" من مجلسها راكضة نحوها تغمغم باستنكار شديد :

  - ايه يا "لولو"؟!.. أخدتي في وشك ومشيتي ليه؟ 

  

زفرت "آلاء" زفرة قوية وهي تطرح ظهرها لظهر المقعد مغمغمة بضيق شديد:

  - انتِ عارفة إني ما بحبش العيال دي، ولا بحب أقعد معاهم. 

  

حملت "هند" حقيبة "آلاء" بإبتسامة خفيفة وجلست موضعها تضعها أعلى ساقيها مرددة بمودة كبيرة :

  - طب على فكرة دول بيحبوكي جدًا، وعمرهم ما جابوا سيرتك غير بكل خير، وكلهم بيشكروا في طيبتك وأخلاقك وشطارتك.. دا أنتِ  موس الدفعة يا "لولو". 

  

حركت "آلاء" رأسها بنفي وهي تعقد ساعديها أمام صدرها بقوة مغمغمة بلامبالاة :

  - وأنا مش عايزة حد يحبني، كفاية على إنتِ بس. 

  

اتسعت إبتسامة "هند" كثيرًا كاشفةً عن أسنانها المفترقة وهي تحاوط كتفي صديقتها بذراعيها ضاممة إياها نحوها بقوة هاتفةً بسعادة كبيرة :

  - وانتِ عندي بالدنيا يا "لولو".. وعمر ما حد يقدر ياخد مكانك في قلبي يا ست البنات انتِ. 


مالت "آلاء" برأسها على كتف صديقتها قليلًا وهي تسحب نفسًا عميقًا براحة شديدة قليلًا ما يستشعرها فؤادها، لترتسم تلك الابتسامة الجذابة بشفاهها كاشفة عن هاتين الحفرتين الصغيرتين جانبي فاهها لتُزيداها جمالًا وجاذبية. 


********

كان يجلس أمام حاسوبه النقال يتنقل بين أزراره بليونة ومهارة شديدة مراقبًا شاشته  بتركيز قوي من خلف زجاج منظاره الطبي وهو يتابع تلك الشفرات المعقدة التي تسقط واحدة تلو الأخرى بإبتسامة ظفر وانتصار قوي قطعها ذلك الرنين الخافت لهاتفه النقال، ليحيد بأنظاره نحو شاشته قليلًا قبل أن يزفر زفرة قوية وهو يُزيل منظاره الطبي من أعلى أعينه ملتقطًا الهاتف باسترخاء شديد مغمغمًا بعدما ضغط زر الإجابة :

  - صباح الخير يا ست الكل. 

  

أتاه صوت والدته الحانق بعتاب ولوم شديد :

  - صباح الخير يا "محمود".. انت فين يا ابني برن عليك من ساعة؟ 

  

ضغط "محمود" جانبي أنفه بأطراف أنامله قليلًا وهو يغمض أجفانه بقوة من فرط ارهاقهما مغمغمًا بأسف شديد :

  - معلش يا ست الكل، كنت بشتغل وما سمعتش التليفون. 

  

أتاه صوت والدته أكثر حدة وتساؤل :

  - ماهي لو مراتك جنبك كانت خدت بالها.. برضه مش هتقولي طلقتها ليه يا ابني، دي طيبة وبنت ناس. 

  

اتسعت أحداق "محمود" غضبًا وهو ينهض من مقعده بجسد متشنجة جميع أعصابه وأوردته هاتفًا بها بعصبية مفرطة :

  - ماما.. أنا قولتلك ميت مرة ده موضوع يخصني لوحدي، وسيبتلك البيت وسيبت الشقة  وقعدت في شقة خالي من إصرارك وإلحاحك في الكلام، يعني لو كنت عايز أجاوبك كنت جاوبت من عشر شهور فاتوا.. أنا لازم أقفل دلوقتي.. بعد إذنك. 

  

وألقى هاتفه أعلى سطح الطاولة زافرًا بصدر يتلاطم غضبًا وكمدًا بين أضلعه كلما تذكر هذا المشهد. 


غرفة نوم حديثة الطراز لزوجان لم يُتما خمسة أشهر زواج بعد، ولج "محمود" هذا الشاب الذي شارف عامه الثلاثون على المغيب حاملًا بين يديه باقة متوسطة من البتلات الحمراء كعادته كل نهاية أسبوع، لتبرق أحداقه ببريق عشق ووله وهو يرمقها تجلس أعلى مقعد زينتها تمشط خصلاتها الذهبية المنسدلة حتى أسفل ظهرها المرمري تحجب بشرته الناعمة الملمس والانحناءات، لتضع مشطها أعلى سطح طاولة الزينة ملتقطة قنينة عطرها تنثر شذاها على خيوط وأنسجة منامتها الوردية القصيرة، ليتحرر بعض من هذا الشذى مخالطًا مسام عنقها الطويل ممتزجًا براحتها الخاصة مخلفًا رائحة لطالما أدمنها هذا العاشق الوله الذي مال بجذعه نحو عنقها مستنشقًا عبقه بشهيق عميق أسكره للحظات طويلة جاذبًا إياه نحو عالمها الذي بات أسيره منذ قرابة العام تقريبًا، منذ أن وطأت أقدامها  أرض الشركة، ليهمس بولع متيم :

  - وحشتيني. 

  

ارتسمت على شفاهها ابتسامة تهكمية وهي ترمق انعكاس  صورته بالمرآة أمامها، ليستقيم هو بجذعه مقدمًا باقته نحوها هامسًا:

  - عشانك. 


نهضت من مقعدها تستدير نحوه بكامل جسدها وهي تلتقط الباقة منه بلامبالاة تضعها أعلى طاولة الزينة مدلكة كلتا يديها ببعضها البعض تغلل زيت الترطيب هذا بين مسامها وهي تخطو نحو فراشها مغمغمة ببرود تام :

  - ميرسي يا "محمود"، بس ما كانش ليه لزوم في الآخر بيدبل وينشف ويترمي في الزبالة.

  

داهم "محمود" حنق طفيف من حديثها البارد هذا، إلا أنه تغاضاه تمامًا وهو ينزع عنه سترته بإبتسامة خفيفة، لتسحب هي دثارها تواري جسدها المُمد أعلى التخت مرددة بهدوء تام :

  - ياريت تطفي النور، ولو هتكون موجود في الاوضة ياريت بشويش لاني تعبانة ومحتاجة أنام.. تصبح على خير. 


تملكت الصدمة من جميع خلايا جسد "محمود" حتى نظراته الذاهلة المتعلقة بجسدها المدثر بدثار من جليد كما كلماتها معه، أهذه هي معشوقته التي ألقى بضفتي فؤاده بين راحتيها؟!.. أهذه من يحارب العالم لإسعادها؟!.. أهذه من غزلت من كلمات العشق وشاحًا طوقت به عنقه؟!.. أهذه من كانت تذوب كقطعة حلوى شهية بين ذراعيه؟!.. ماذا حدث؟... وما هذا العارض الذي أبدل مسارها لمسار أكثر جفاء وبرود؟! 


تنهد "محمود" بتنهيدة حارة وهو يغادر الغرفة موصدًا بابها خلفه بهدوء ينافي ثورة غضبه التي يتآكل لها كبرياءه وكرامته. ولج إلى غرفة مكتبه وأوصده  خلفه بهدوء وعزيمة لقراءة كل ما يدور من خلفه، فقد آن أوان تجربة واستخدام هذا الفيروس التي صنعه لاختراق الهواتف 


  دمتم في آمان الله وحفظه.

فاطمة علي محمد

أوهام


رواية أوهام الفصل الثانى 2 من هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية أوهام)

تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)


روايات شيقة ❤️
روايات شيقة ❤️
تعليقات