📁

رواية استوطننى عشقك الفصل الأول 1 بقلم شيرى الجرف

رواية استوطننى عشقك الفصل الأول 1 بقلم شيرى الجرف

رواية استوطننى عشقك البارت الأول 1

رواية استوطننى عشقك الجزء الأول 1

رواية استوطننى عشقك الحلقة الأولى 1

رواية استوطننى عشقك بقلم شيرى الجرف

رواية استوطننى عشقك الفصل الأول 1 بقلم شيرى الجرف
رواية استوطننى عشقك


رواية استوطننى عشقك الفصل الأول 1


الفصل الاول


تعالت أصوات الموسيقى الصادرة من حديقة ذلك المنزل الشامخ المحتضن للأضواء، و الذي تكسوه كرداء منير يخطف الأبصار بطريقة راقية تنم عن رقي سكان هذا المكان...

إصطفت السيارات من كل نوع ولون أمام  المنزل، امتلئت الحديقة بالضيوف من كل الأعمار ليقدموا التهاني والمباركات لعائلة الرازي بزواج أبنائهم .. امتلئت الأجواء بالإحتفالات و الصخب والإبتسامات رغم القلوب النازفة.. 

*****


وقف العروسين  يودعان ضيوفهما قبل أن يستديرا ويصعدا درجات المنزل القليلة ويختفيان عن الأنظار  ..

دخلا بهو المنزل  ووقفا لا يقوى أحد منهم على الحركه، كأن طاقتهم نفذت، لم يوجه أحدًا منهم جملة للأخر، فقط انتظار لماذا ولمتي لا يعلمون، فقط انتظار ...

التفتت تنظر لهيبة الرجل الوقور في عقده الثامن  الذي دخل من الباب قبل أن يتبعه بقية أفراد العائلة، ابنائه  وزوجاتهم وعمتها الغاضبة والحانقة على ما فعلوه بها، ولِما لا تغضب وهي من ربتها منذ صغرها وكلاهما عوض نقص الأخر أو على الأقل حاول  

أغلقوا الباب على مهزلة اليوم وفضيحة تداوت بعرس كانت هي ضحيته ..

" هيا يا بدر اصعد انت وعروسك كي ترتاحوا " 

هتف عامر  بقلة صبر وهو يجلس بتعب على مقعد قريب من الباب دون أن ينظر لهم ..

" لِما ياجدي الم تنتهي المسرحية بتصفيق الجمهور  "

 ردت وتين بصلابة كاذبة وقلب يرجف من القهر وروح تئن من المهانه..اقتربت من الجد بخطوات حاولت أن تكون واثقة صلبة وهي تدعو ألا تخونها قدمها...قابلها الجد بصلابة مماثلة وصوت واثق لكنه مرهق حد الوجع

 " هيا يا وتين  لن أعيد كلامي مرة أخرى....منذ متى وانتي تراجعيني في حديثي  " 

" لاني لم أعد قادرة جدي ..أقسم لم أعد أقوى على تحمل ما يفوقني قدرة " 

زفرت وهي تحبس دموعها بقوة حتى لا تظهر ضعفها لهم، ذلك الضعف اللعين والخنوع الذي كانت تسميه احتراماً ماذا فعل لها...

وقع نظرها على تلك الواقفة على بداية الدرج الداخلي للمنزل تلعب في أظافرها بطريقة لامبالية وتنظر لها بسخرية..حَولت أنظارها لأفراد عائلتها

عمها الكبير (عبدالرحمن) والد بدر وزوجته المرأة الحنون (رقية )...


وعمها الأوسط (عزت ) والد غدير وزوجته (كاميليا ) وعمتها (مريم) توأم أبيها، الأرملة الرائعة و الأم البديلة التي ربتها ولا تعرف أما غيرها 

أعادت أنظارها لجدها وقد عزمت على عدم السكوت مرة أخرى وتابعت حديثها 

" دائما ماكانت وتين تتحمل أخطاء  وفشل غدير، وتين عليكي مساعدة غدير بالإختبار وعمل ملخصات تنفعها في الاختبارات، لأنها لم تذاكر دروسها....وفعلت ووقعت بعدها مريضة من مجهود الدراسة المضاعف لأجل خاطر مدللتكم " 

قالت جملتها الأخيرة ونظرت لعمها الذي أطرق رأسه بخجل من أفعال ابنته المدلله....حولت أنظارها لزوجة عمها وأكملت.. 

"وتين جدك قادم وسيعاقب غدير  أرجوكي تحملي عنها العقاب وأدعي انك من أخطأ فجدك سيشفق عليكي لانك يتيمة....ولأنه يحبك ولن يسبب لكي الأذى  أبدا" 

 شهقت تأخذ نفسها حتى لا تبكي واكملت

 " وتين سنخطبك لأبن عمك....

 ‏لا لا وتين فهو  سيخطب غدير  ‏"


انصدم بدر من جملتها الأخيرة فهو لم يصرح ابدًا أنه سيخطبها، فهو منذ عودته لم يرى سوى غدير التي أختارها  وأعجبته كثيرًا  تلك الخائنة التي تخلت عنه بكل خسة وندالة...

 ‏أفاق من شروده على صوت وتين وهي تتحدث بحرقة فشلت في إخفائها 

 "وتين ارتدي هذا الثوب وتعالي لتتزوجي ابن عمك لأن المدللة رفضت الزواج قبل العرس بساعتين وهددت بالإنتحار وافتعال فضيحة أمام الضيوف فلم نجد غيرك كبش فداء "

 ‏ ‏صمتت برهه تبتلع تلك المرارة والحرقة بجوفها وأكملت 

 ‏"فتعالي  كالعادة لتتحملي نتيجة أفعالها.....لكن هذه المرة مختلفة والحِمل ثقيل جدًا.....حِمل أثقل روحي وفقدت معه غلاوتكم بقلبي" 

 ‏ ‏"ولكنك وافقتي "

 ‏ ‏هتف الجد بحرقة لم يقوى على إخفائها فقابلته بنظرة مماثلة وردت بحرقة مماثلة

"لانني لم أتحمل أن أراك مكسورًا ياجدي" 

سحبها من ذراعها وضمها وقبل جبينها... لم يعد يقوى على الوقوف أو الحديث  فقواه خارت من هول هذا اليوم

 ‏ ‏نظر لها الجد بألم سريعًا ماأخفاه ونظر لبدر الواقف خلفها يغلق عيناه، ويرتسم على وجهه كل معالم الألم، لم يعرف حزن على تلك الصغيرة المظلومة أم على حفيدته الحقيرة المدللة كما اسمتها وتين، والذي كان على يقين انها لاتصلح له زوجة وحذره ولكنه لم يسمع منه...تغلب على شروده سريعًا ووجه كلامه له 

 ‏ "بدر أصعد مع زوجتك كي تستريح وأنزل لانني أريدك  "


 أومأ له ومد يده يمسك بيد وتين ليحركها بصمت، استسلمت وتحركت بضعف وكأنها شاه تقدم للتضحية بها، لا ليس كأنها، بل هي كذلك بالفع...

تجمدت فجأة واستدارت تنظر لجدها نظرة تحمل كل معاني الخذلان واللوم قبل أن تكمل طريق فرض عليها ولا تعلم ما ينتظرها بنهايته...

 ‏ ‏دلفوا لشقتهم و أغلق بابها بهدوء، نظر لها ونظرت له بعض الثواني ام الدقائق لا تعلم حتى استدار وتركها تقف وحيدة.. فتح الباب كي يخرج لكنه التفت سريعًا وقال بنبرة معتذرًة

 ‏ ‏"أسف وتين " 


 ‏ ‏غادر  تاركًا لها غصة ملئت حلقها وسكين يمزق قلبها حزن وغضب وخذلان، وقهر، ووجع على حبيب عشق غيرها وتزوجها رغمًا عنه حتى لا تنال الفضيحة عائلتهم...

 ‏ ‏تقدمت ودخلت أول غرفة قابلتها والتي كانت غرفة النوم الرئيسية،  ‏نظرت لنفسها في المرآه ولذلك الثوب الذي كانت تختاره غدير أمام أنظارها من أحدى المجلات نكاية بها..وأه من غدير وأفعالها التي طالما تحملتها، لم تكرهها ابدًا ولكن اليوم والآن هي ناقمة غاضبة حانقة عليها حد الجحيم  فشعورها بالإهانة والرخص فاق الحد هذه المرة..مدت يدها على زجاجة العطر وبكل قوة وعزم وجهتها للمرآه  التي إنكسرت وملئت الأرض بشظايا الزجاج...

 ‏ ‏إنهارت أخيرًا ووقعت وهي تبكي أمها وأبيها، طفولتها المحرومة من حنان الأبوين ...تبكي حُبها لرجل ليس لها وعندما أصبح لها ‏كانت له بديل مجرد بديل وساتر لفضيحة ارادو مداراتها... وكبش فداء يفدوا به سُمعة عائلتهم ...

 ‏ ‏رفعت رأسها للسماء وببكاء يمزق نياط القلب وبصوت كأنه ينسلخ عن روحها رددت 

 ‏" يارب يارحيم أرحمني...وأرح قلبي يااااااارب"


 ‏ أنهت دعائها بخفوت وإرهاق تام أسندت رأسها على الحائط بجانب مرآة الزينة  المكسورة وقد عزمت أنها ستودع الضعف إلى الأبد وستدافع عن حقها بهذه الحياة لأخر نفس ويكفيها مانالته بسبب ضعفها لن تتخلي عن حقها بعد الآن ولن تتمسك بيد لا تريدها...

 أغمضت عينيها ونا*مت  وكأنها تريد الهروب من الواقع لأرض الأحلام لعلها تجد بها راحة أو الشعور بالخلاص المؤقت قبل ان تستفيق لتحارب من أجل حقها في الحصول على السعادة أو لعلها لا تستفيق أبدًا كانت أخر أمُنياتها لهذا اليوم وهذه الليلة...

ذهبت في نوم عميق ‏ولم تنتبه لجرح يدها ولا ألامه  ولا للدماء التي لطخت ثوبها.  ‏

 ‏ ‏**************


 ‏ ‏جلس على الدرج الموصل لأدوار المنزل ببعضها البعض، ذلك المنزل الكبير الذي صممه جده يناسب جميع أذواقهم حرص أن يكون منزل كبير يجمع جميع أولاده  وبنفس الوقت حرص على أن يكون لكل واحد شقة خاصة حتى يحصل على الخصوصية... 

انتقده الناس عندما قام ببناية هذا المنزل وقالوا له يمكنك تصميمه كقصر ولكنه رفض وكونه من أربع أدوار متصلين ببعضهم  وسلم داخلي للمنزل تراه كأنك بداخل فيلا كبيرة أقرب إلى قصر ولكنه المنزل الكبير كما أسماه جده الذي يحرص كل الحرص على تواجد أبنائه حوله دائمًا وتناول كل واجباتهم سويًا...

 جدهم تاجر المبيدات والبذور الذي تعب وكد واجتهد حتى يقدم لأولاده حياة مريحة بالمال الحلال، وبعد أن بناه قدم لكل اولاده شقة وليس جناح لتكون خاصة به، تعتمد على الخصوصية المطلوبة، حتى لا يفكر أبنائه يومًا الرحيل وترك المنزل، ليحصل أبيه وعمه عزت على شقتهم التي يمكثون بها إلى الآن...وكذلك عمه عمر الذي لم يمكث بها سوى أربع سنوات وبعدها توفيا هو وزوجته بحادث وتركهم يتألمون من عذاب الفراق...

 ‏ ‏كان تأثير موت  عمه عمر على جده كبير ومؤلم، عمه العاشق لفتاة غريبة عن بلده وبالرغم من كل الصعوبات تزوجها وعادت تعيش معه هنا حتى رحلا عن العالم سويًا وتركوا فتاة صغيرة لا تدرك من الحياة شئ، حتى أنها لا تتذكر ذكرياتها معهم...


وقد أغلقت شقته من وقتها إلى أن أعلن أنه سيتزوج ويسكن بعيدًا لكن جده رفض واستأذن وتين أن تسمح له بالعيش في شقة أبيها فوافقت ،ليقوم ببعض التجديدات بها وأيضًا شراء أثاث جديد... وها هي قد عادت ملكًا لها مجددًا، وأصبحت وتين زوجته التي قبل ساعات كانت مجرد أخت له ومنذ عودته وهو يعتبرها أخته،  لقد تركها مراهقة صغيرة...وأن صح القول صديقته الصغيرة، رجع ليجدها شابة ناضجة وجميلة وتضع بينهم عشرات الحدود...

 زفر بغضب لعله يخرج ذلك الثقل الذي يجثم على صد*ره من غضب وحنق على ما فعلته تلك المدللة التي كادت أن تحطم سمعة عائلتهم وتجعلها علكة في أفواه الناس في هذه المدينة الصغيرة...

لقد حطمت كبريائه برفضها له قبل موعد الزفاف بأقل من ساعتين يقسم لو كانت أبلغته بقرارها قبل عدة أيام لكان وافق على إنتهاء خطبتهم بدون أي مشاكل، لكنها إستمرت بالخطبة لتفجر قنبلتها والضيوف تملئ البيت...


لقد خذلتهم جميعًا ووضعتهم بموقف مخجل وتساؤلات من الضيوف عن العروس، ألم تكن العروس غدير! 

 ‏هكذا تسائل معظم الحضور...ليكون ردهم أن العروس هي وتين وأنهم أسأوا الفهم وظنوها غدير...كذبة لن يصدقها طفل صغير لكنهم اعتمدوا أنهم لم يقوموا بأي احتفال بالخطبة واكتفوا بإرتداء الخواتم فقط، لذلك أتقنوا هذه الكذبة حتى لا ينزعوا سُمعة عائلتهم وأضافوا أن الذي طبع كروت الدعوة أخطأ في الأسم... 

 ‏ابتكروا أكاذيب كثيرة خلال الليلة حتى يتفادو المأزق الذي وضعتهم به تلك المدللة،  ‏نفض عنه شروده واستقام ليكمل نزوله للطابق السفلي حتى يتحدث مع جده الذي ينتظره ومن المؤكد أنه سيقرعه ويصب غضبه عليه لأنه لم يسمع منه منذ البداية...

عندما أخبره أنها لن تصلح له ولا تشبهه وأن ينتظر حتى يجد ما يختارها قلبه.. لكنه أصر بشدة وعاند وقال هذه ابنة عمي ولن أجد أفضل منها.. 

 ‏ ‏******


 ‏ ‏"انصرفوا لا أريد أحدا هنا، اتركوني بمفردي"

 ‏ ‏قالها الجد عامر بعصبية وقلة صبر  ونهض يذهب إلى غرفته دون أن ينظر لأحد، سحب عبد الرحمن زوجته ليحثها على المغادرة  وهو يرمق أخيه بنظرة متعاطفة...

 ‏ ‏تحركت رقية معه  لتقابل بطريقها غدير التي مازالت تقف كأنها تشاهد أحد الأفلام و كأن ما حصل اليوم  لم يكن من صنع يديها ولا يعنيها، وجهت لها نظرة ممتعضة تحولت إلى مصدومة وهي تسمع ما قالته تلك الوقحة لأمها.. 

 ‏ ‏"أخيرًا انتهت حلقة الدراما وتسول الشفقة لهذا اليوم حقا لقد مللت" 

 ‏استدارت تناظرها بصدمة تحولت لإشمئزاز واحتقار لتلك المخلوقة البغيضة التي كانت  لا تستحق ابنها على الإطلاق  فتحمد الله أنه  كان رحيم بإبنها وأنقذه قبل فوات الأوان...هي لا تكره غدير ولكن لا تحب بعض طباعها وتعرف تمام المعرفة أنها لا تصلح لبدر  لذلك كانت تتمنى أن يختار وتين لتكون زوجة له، ولكنه اختارغدير 

 ‏ليتدخل القدر ويقول له من خلقت من أجلك هي وتين وليست غدير...


لا تنكر سعادتها بتحقيق أمُنياتها ولكنها بنفس الوقت حزينة على الطريقة، ترى ماذا يخبئ لهم القدر... ‏ ‏

 ‏جفلت عندما حطت يد بدر على كتفها ولكنها سرعان ما تمالكت نفسها واهدته ابتسامة صادقة حنونة وربتت على وجنتيه وقالت بصوت دافئ يشبهها كثيرًا " 

 ‏الخير فيما اختاره الله يا حبيبي.... وتين مكتوبه لك من يوم مولدها "

 ‏سحبته من يده ليميل عليها لتهديه قبل*ة سريعة على احدى وجنتيه وأكملت حديثها 

 ‏ ‏"مبارك يا بني حافظ على هدية رب العالمين لك  انها أقدار يابني....والملوك تليق ببعضها البعض حافظ على مليكتك" 

 ‏ ‏أومأ لأمه وقبل يديها وجبينها ورد عليها بخفوت 

 "فليبارك لنا الله فيكي يا حبيبتي ولا حرمنا الله من وجودك أبدًا" 

 ‏تركها تكمل صعودها خلف أبيه 

 ‏و ‏تحرك ليلحق بجده  قبل أن ينظر إلى عمه الذي يسحب ابنته ورائه بغضب و تهرول خلفه زوجته وهي ترفع ثوبها وتنادي عليه ذكرته بمشهد في فيلمًا كان قد حضره قديمًا وكانت الممثلة تركض خلف رجل طوال الفيلم وهي ترفع ثوبها وتردد..

 ‏(لطفي استني يا لطفي )


 ‏ ابتسم بقلة حيلة  ومرارة على حظه العثر ويومه الحافل ،على ماذا تضحك يا أبله هل فقدت عقلك كليًا من أحداث اليوم أم ماذا ...

 ‏ماهذا البرود الذي ينتابك، هل تحولت للقطب الشمالي أم هذه بوادر الصدمة... مالذي يحدث له حقا هو لا يفهم شئ.. يشعر كأنه مشاهد لأحداث فيلم لا يعنيه أبدًا...

 ‏زفر عدة أنفاس ثقيلة ومسح على وجهه وغمغم بالإستغفار كثيرًا عله يهدئ بعض الشئ، 


 ‏********


 ‏ ‏" ادخل بني "

 ‏ ‏هتف عامر وهو يجلس منهك على فراشه لم يكن إنهاك بدني وإنما هي روحه التي تريد الراحة ولا تحصل عليها... فكل أمانيه أن يطمئن على أولاده وأحفاده حتى يستقبل الموت وينشده فلقد اكتفى من هذه الدنيا ولا يريدها ولكن بعد ما حدث اليوم...

جعل روحه تمرض، فأحفاده بحاجة له.. كلهم حتى غدير فهو يخشى عليها من الضياع بسبب تهورها وأنانيتها يعرفها  متسرعة وبسبب تسرعها كادت أن تضع سمعته واسمه الذي بناه منذ أعوام تحت أقدام الناس بمدينتهم...

 ومع ذلك كثرت التساؤلات في الزفاف،  ‏ووتين التي يريد أن يعوضها ويراها تحصل على السعادة،  تلك الطفلة التي تركها أبويها وهي بعمر الثلاث سنوات ليتمسك بها ولا يتركها ترحل بعيدًا عنه ...وبالرغم من شفقته على جدتها التي فقدت إبنتها وماتت بعيدًا عنها ببلد غريب، إلا أنه لم يترك وتين تعيش معها، بل رباها هو... بقيت معه وكان يأخذها دائمًا لزيارة جدتها وعندما كبرت أصبحت تسافر لهم زيارات قصيرة وتعود له ولعمتها التي لا تعرف لها أما سواها بعد إلحاح مستمر منه من أجل عودتها سريعًا...

 ‏وأخيرًا بدر الذي يريد أن يعرف على اي شط سترسوا  سفنه...لقد حذره من اختيار غدير، وأخبره أنها ليست الزوجة التي تصلح له ولكنه تمسك بها وقال له أنها ابنة عمي وأعرفها وأعرف أخلاقها جيدًا...


 نعم أخلاقها جيدة بالرغم من تهورها، ويشهد الله أن سبب رفضه هو اختلاف هذا الثنائي..هي لن تصلح له وبدر لا يصلح لها...لقد خلق الله الأزواج لتكمل بعضها البعض...لكن هؤلاء كان دائمًا يراهم كقضبي القطار متوازيان لن يتقابلان أبدًا...ولكن حفيده لم يسمع منه وهو لم يضغط عليه، وها هي النتيجة ..

 ‏نظر لبدر الواقف أمامه الآن ينتظر منه الحديث، تنهد بثقل وإرهاق وهتف ...

 ‏ ‏"اجلس يا بني" 

 ‏جلس ‏ بدر مقابل جده على الفراش وتحدث سريعًا وهو ينحني مقبلًا لكفه

 ‏ "أعتذر جدي..أعتذر...لم أصغى لك عندما قلت لي انها ليست الزوجة المناسبة ولن أحصل على السعادة معها "  رفع عامر كفه  التي تحمل من التجاعيد بعدد لحظات الفرح والحزن التي مرت بحياته يربت على رأس بدر وتحدث بصوت عميق ..


 ‏ "أتعلم يا بدر عندما كنت أضع رأسي كي ان*ام ، كنت أحاسب نفسي هل أخطأت في حق احد ....هل أرتكبت ذنوب...وإذا كان ردي نعم..أستغفر وأطلب من الله الغفران،ولكن لم أعلم أني ارتكب ظلمًا بحق صغيرتي، وطفلتي اليتيمة التي دائمًا كانت عيونها الرائعة حزينة ومكسورة..... مهما ابتسمت كان دائمًا زمرد عينيهاحزين...نعم الآن تذكرت.. "

 ‏ ‏"لا يا جدي انت لم تظلمها أنت.." 

 ‏قاطعه عامر بإشارة من يده وأمره الا يقاطعه مرة أخرى وأكمل حديثه وكأن صوته يخرج من أعماق روح ممزقة

 ‏" لا بني انا ظلمت أمانة ولدي الذي سيسألني عليها يوم القيامة..... واليوم أكملت ظلمي هذا وحطمتها وأنا أحرمها من أن تختار شريك حياتها....حرمتها من  ان تختار زوج يعشقها كما تستحق 

 ‏ ‏فتلك الزهرة الرائعة جميلة  الروح ومليحة الوجه كما كان يقول عنها عمك رحمه الله....تستحق أن تسعد بقرب رجل يحبها ويحترمها ولا يعترف بوجود نساء على وجه الأرض غيرها...لأنها تستحق والأيام ستثبت لك ذلك "


 ‏ ‏شهق جده من ألام صد*ره ولكنه يريد أن يكمل كلامه لعل اوجاعه هذه المرة تذهب به الى القبر من دون أن يطمئن على أحفاده 

" جدي أرجوك  يكفي كلام فأنت مرهق ولا أريدك أن تمرض"

 ‏ قالها بدر بخوف على جده الذي بدأ يلهث ويتعرق ولكن جده لم يسمح له ابدًا وأكمل 

 ‏" اسمعني بني أريد منك وعدين وبعدها سأن*ام وأرتاح " 

أومأ له بدر دون حديث ليكمل بعدها عامر 

 ‏"أريدك أن تعتبر غدير منذ هذه اللحظة وطوال زواجك من وتين اختًا لك محُرمة عليك وستكون أخًا يحميها ويحافظ عليها حتى من نفسه....أنت لن تعرض وتين لوجع الخيانه ابدًا" 

 ‏سعل عامر ولكنه أكمل بصوت مرهق ووجهه ظهر عليه الاعياء بشكل أكبر 


 ‏"وأريدك أن تنفذ لوتين قرارها بشأن علاقتكم حتى لو كان الفراق هو قرارها....أريدها أن تفعل ما تريد وتشعر أنها المتحكمة الوحيدة  في حياتهاحتى.... لو كان قرارك مخالف لقراراها.... أعدني بني إنك ستكون دائمًا سند لها سواء كانت زوجتك ام لا..أعدني بني  ‏"

نظر له بدر بثقة وهتف بهدوء 

"أعدك جدي أن أنفذ كل كلمه قُلتها"  

زفر الجد براحة  وأراح ظهره على الفراش 

  ‏"بارك الله لك يابني و أرح قلبك.... هيا اتركني أسترح بعض الوقت قبل صلاة الفجر" 

نظر له بدر بخوف من أن يتركه فتسوء حالته، لكنه طمأنه وأمره بالرحيل 

"حاضر جدي ولكني سأعود لأطمئن عليك "

 ‏ ابتسم له عامر وأومأ دون حديث وأغمض عينيه ..

 ‏ ‏لقترب منه بدر وقبل جبينه وتحرك يخرج من الغرفة ليترك جده يستريح  لكنه هو هل سيستريح ام كتب عليه الشقاء الأبدي .

 ‏ ‏*********


 ‏ ‏دخل الى شقتة بهدوء  وتوغل داخل الشقة ليقترب من طاولة الطعام  الموضوعة بالصالة...سحب مقعد وجلس عليه وهو يبتسم بسخرية على حظه، فاليوم خالف كل توقعاته وآماله بعروسه التي تغيرت قبل العرس بلحظات قليلة، حكاية تكررت كثيرًا بالأفلام والمسلسلات، لم يصدقها ابدًا وكان دائًما يسخر منها ويالسخرية القدر جعل مصدر سخريته نقطة تحول في حياته، فها هو يجلس على مقعد ويضع يده على وجنته  بليلة عرسه ولم يقوى على الدخول لعروسته التي كانت قبل ساعات تبارك له زواجه من ابنة عمهما، صمت قليلًا واستوعب الهدوء...

 أيعقل أن  تكون نا*مت!..

اندهش من إستنتاجه بعد غضبها وحنقها وثورتها عليهم جميعًا تن*ام هكذا بهدوء، وعلى تذكره غضبها ودموعها، كم شعر بالشفقة عليها كثيرًا، للحظة تمنى أن يخبئها بأحضانه كي لا يسبب لها أحدًا الأذى، تلك الصغيرة التي كان يسعدها بالحلوى...

أصبحت حزينة بسببه وبسبب سوء اختياره 

 ‏ تحرك لداخل الغرفة المفتوح بابها بشكل جزئي لينظر للفراش الخالي منها...نظر حوله يبحث عنها في أرجاء الغرفة بإندهاش،  وقع نظره على مرآة الزينة المحطمة...والزجاج المكسور الذي يملئ الأرض....قبل أن يصعق برؤية وتين الجالسة على الأرض وغائبة عن الوعي وثوبها يحمل بقعة كبيرة من الدماء تحت كفها..

 توقفت أنفاسه وأسرعت دقات قلبه، وجملة واحدة تتردد في عقله كمطرقة من حديد...

 ‏

 ‏" وتين أنتحرت "

 ‏

*******

نزل يبحث عنها بالحديقة بعد أن بحث عنها في جميع المنزل وشقتهم ولم يجدها، لقد كانت محبطة وتبكي منذ دخولها غرفتهم، حزنها وكسرتها يوازي حزنه على ما فعلت إبنتهما، يشهد الله أنه لم يكن ليجبرها على الزواج إن رفضت... لكنها قبلت وكانت تحضر كل شئ بسعادة بالرغم من إنقلاب مزاجها وعصبيتها المفرطة في الأيام الأخيرة...

وعندما سألها أخبرته أنه من ضغط الزواج وكل الفتيات يحدث معهم هكذا...

لماذا يا إبنتي لم تخبريني قبل كل هذا أنك لا تريدين الزواج منه، أقسم لم أكن لأجبرك عليه، ولكن ما فعلته اليوم كسر قلبه وكبريائه أمام الجميع...وجعلته يشعر أنه صغير أمام أبيه وأخيه الأكبر 

لقد حطمت قلبه بأفعالها وشعوره أنه فشل في تربيتها يكاد يخنقه كما يختنق الآن من الحزن على تلك الجالسة على الأرض في الحديقة وتبكي بقهر...


اقترب منها وجلس بجانبها على الارض يحاوطها  بذراعه ليأخذها في أحضانه... انفجرت باكية وهي تتشبث به وتتحدث بتقطع 

" أنا أم فاشلة لقد أفسدتها بكثرة دلالي،ولكني ماذا كنت أفعل ؟

لقد كنت محرومة من نعمة الأمومة ورزقنا الله بها بعد سنوات طويلة ولم يرزقنا بغيرها...

بماذا أخطأنا لنحصد كل هذا الخزي اليوم بسبب أفعالها؟ "

قالت كلامها وهي تشهق بدموع حزينة، لم يقاطعها ابدًا و تركها تخرج ما يثقل كاهلها وكاهله...

لكم حاولت التظاهر طوال العرس بأن شئ لم يكن ...ولكن بعد إنفجار وتين الباكي الذي مزق قلبها وبرود ابنتها ووقاحتها بالحديث ونظرة رقية المشمئزة لها ..

كل هذا كان فوق طاقتها، لم تتحمل لتهرب إلى هذا المكان تبكي فشلها وخذلان إبنتها لهم ..

عادت تبكي من جديد بين أحضان عزت الذي أخذ يهدهدها كما يهدهد الطفل الصغير وتحدث بنبرة هادئة حزينة ..


" لا تبكي كامي ....أنت أم رائعة وحنونة و ما حدث قد حدث لا يمكننا إصلاح الماضي ....ولكننا سنمنع إرتكابها المزيد من  الأخطاء في المستقبل.... أعدك....لكنها ستعاقب أكيد " 

اومأت بصمت ليتنهد هو أيضا ويصمت، وكأنهم فهما حاجتهم  للصمت والسكون  داخل أحضان بعضهما البعض ..

غافلين عن عيون حزينة تتابعهم من شرفة غرفتها...وما إلا لحظات وسحبت الستار على المشهد المأساوي لأبوين طعنا في ثقتهم  وتربيتهم لصغيرتهم المدللة...مشهد تبع مشاهد حزينة كثيرة على مدار اليوم الذي تغير به كل شئ في منزلهم، الذي رغم الحزن الساكن أعماقه لكنهم كانوا يتشبثوا بلحظات السعادة ويقدسوها بل يخترعوها ليحصلوا عليها، 


*****

صعق من الفكرة التي ترددت برأسه ومنظرها الذي صدمه 

  وبرعب وقلب يرجف يدعي ألا يكون تأخر عنها وخسرها قبل أن يعوضها ...

 ‏لن يتحمل أن يعيش بذنبها طوال حياته ...

 ‏  تقدم منها وجثى على قدمه قبل أن يشعر بالزجاج المدبب تحت ركبتيه، لكنه لم يهتم... كان كل همه أن يعرف هل مازالت على قيد الحياة أم فارقتها، مد يده يتحسس عنقها كي يشعر بنبضات قلبها...

أغمض عينيه و تنهد براحة عندما شعر بنبضات قلبها الرتيبة...

حملها وتحرك  بإتجاه الفراش، وضعها عليه وجلس بجانبها يتفحصها ويبحث عن جرحها، ليكتشف أن قطع الزجاج جرحت يدها و البلهاء نامت ولم تهتم بنزيف يدها ولا بجروحها، وكيف تهتم بجرحها الجسدي وهي لم تداوي جروح روحها بعد...

 ‏تحرك ليدخل إلى الحمام ويخرج بعد قليل وهو يحمل علبة مغلقة تحتوي على كل شئ يريده لتنظيف الجرح وتعقيمه...


 ‏نظر لها وهي نائمة...جميلة لا ينكر بل جميله جدًا جدًا... ولكن كانت دائمًا صامتة في حضوره ولا تتحدث معه عكس طبيعتها قبل سفره، فهي دائمًا كانت تشتعل غضبًا من مقالبه معها ومع غدير الذي توقف عن عمل مقالب لها لأنها كانت كثيرة التذمر وتشكو لأبيها وجدها وكل أفراد العائلة وهي تبكي وتتدلل عليهم فلم يكن يشعر بالمتعة المطلوبة أبدا...لذلك كان يكثف جهوده في إخراج وتين عن شعورها لقد كانت دائمًا تصرخ وبعدها تركض ورائه كي تقتص منه وتغضب فكانت تشعره بالمتعة الذي ينشدها من إغضابها...

 ‏شرد يتذكر إحدي مقالبه قبل سفره ببضعة أيام ...

 ‏

 ‏( تذاكر دروسها بتركيز تام وهي جالسة على الأرض ...فالمكتب لم يكفي لكل الكتب المفتوحة أمامها وكأنها بالجامعة وليست بالمرحلة الإعدادية، 

 ‏كانت راكعة تدون شئ بدفترها وتنظر للكتاب كل برهه ...لم تنتبه إلى الذي فتح الباب بهدوء ومد يده يفرد ثعبان طويل أسود اللون شكله مقزز ..وبيده جهاز تحكم صغير به أربع أزرار للإتجاهات والتقدم والتوقف...توارى بجسده كي لا تراه وضغط الأزرار تباعًا كي يميل الثعبان بالإتجاهات بحركة تشبه الحقيقي كثيرًا ...وكأن منظره لوحده لن يجعل قلبها يتوقف من الرعب... 

 ‏اقترب منها كثيرًا ليقف ملتصقًا بيدها التي تتصفح بها الكتاب بينما تكتب بالأخرى

 ‏شعرت بشئ لين ناعم بجانب يدها لترفع عيناها وتنظر بإتجاه يدها لتنصدم وتفتح عيناها بإتساع كالمصعوقة وثواني وكان صوت صراخها يملئ الغرفة والبيت بل الشارع كله 


 ‏تتقافز بصراخ في الغرفة حتى وصلت لفراشها لتصعد عليه ومازالت تتقافز وتصرخ وكأنه يقف تحت قدميها وعيناها تنظر على سبب رعبها...

 ‏لم يتمالك نفسه من منظر وتين المرعوب وقفزاتها البهلوانية ليجثو ضاحكًا بشدة ولم يقوى على تحمل المنظر. 

 ‏استدارت تنظر إلى ذلك الضاحك وسرعان ما فطنت لخدعته...

قفزت سريعًا من على الفراش لتركض بتجاهه وقبل أن يتحرك كانت تجثو فوقه وهي تسبه بكل الألفاظ التي تعرف معانيها ولا تعرف...

 ‏حاول أن يتوقف عن الضحك ومقاومة هجومها المباغت عليه لكنه لم يقوى ...لتنقض على كتفه تقضمه بقوة جعلته يصرخ  ويحاول إبعادها ومع ذلك لم تبتعد عنه إلى أن جاءه الإنقاذ على هيئة عمته لتحمل وتين من فوقه وهي مازالت غاضبة وتسبه...


 ‏تركتهم ودخلت الى الغرفة وحملت ذلك الشئ بتقزز وألقته بوجه، أغلقت الباب بغضب ودموع تهدد بالنزول، لتخاصمه بعدها لمدة يومين ولم تصفى له حتى أحضر لها الشوكولاته ودمية محشوة  وحلوى غزل البنات الوردية كما تحبها 

 ‏ابتسم على الذكرى التي تدفقت لعقله في هذه اللحظه وشعر بالحنين لأيام مضت كان بها مرتاحًا كثيرًا، وبقى السؤال الذي يلح عليه كثيرًا.. 

 ‏لماذا كانت تأخذ جانب وتتجنب الحديث معه منذ  عودته ؟

 ‏ ام هو الذي كان لا يرى أبعد من غدير وشقاوتها ودلالها الذي كان يفتنه، تنحنح ليبعد ذكراها عنه، فكلما تذكرها يشعر بالإختناق، حاول إيقاظ  تلك النائمة برفق

"وتين أفيقي ....ياإلهي ما نوم أهل الكهف هذا "

 ‏همهمت بكلمات لا يفهم منها شئ ولم تفتح عيناها ابدًا 

 ‏هز رأسه بخبث وشقاوة وكأنه رجع لأعوام عديدة شعر بالحماس وكأن الذكرى دبت بقلبه الشقاوة وأرجعته لذلك العابث الذي يعشق رؤية رعب وتين الصغيرة وغضبها من مقالبه الغليظة، اقترب من أذنها وتحدث بفحيح " وتييييييييين استيقظي....استيقظي أنتِ أصبحتي ميتة  والآن تحاسبين من ربك؟ ما دينك؟ "


 ‏ فزعت وتين برعب وانتفضت تقف على  الفراش وتردد مغمضة عيناها بفزع ورعب وهي ترفع سباباتها

"ربي الله ...ربي الله....ربي الله " 

انطلق في ضحك هستيري كأنه عاد لذلك الشاب المراهق الذي لا يشغل باله شئ و ليس بخطيب مغدور  تركته عروسه قبل زفافه، ولا كأنه يحمل جبل هموم فوق صد*ره "

نظرت له بغيظ عندما فطنت لخدعته..

 ‏صرخت بغضب بالغ من أفعاله وإنحنت تحمل 

 ‏  الوسادة الصغيرة ورشقتها بوجهه كلاعبة كرة يد محترفة ورددت 

" يا غليظ يا أحمق ألم تكبر على حركاتك البغيضة هذه أبدًا.....احترم سنك أيها العجوز "  


 ‏جلست مرة أخرى على السرير وهي تضع يدها على صد*رها وتنظم ضربات قلبها من الرعب الذي أصابها ولم تكد تتنفس حتى شعرت به يسحبها من ياقت ثوبها  ورفعها لتنزل من على الفراش وتحدث بغيظ" 

 ‏هل ضربتني للتو بالوسادة ام يهيئ لي!....

 ‏هل نعتني بالعجوز ام أذناي أصابها شئ؟ 

 ‏ بلعت ريقها من هذا القرب المهلك لأعصابها ورائحته التي تفعل بها الأعاجيب وعيناه البنية القريبة وحاجبه المرفوع بغيظ منها فهو حقًا وسيم جدًا وهذا خطر على أعصابها وقرارها الذي اتخذته...أفاقت من شرودها فيه على اهتزازها بين يديه لتهتف بغيظ"

 ‏ اتعتقدني زجاجه دواء ترجها قبل الشرب منها....اتركني هيا أنا أشعر بالدوار" 

 ‏ قالت كلمتها الأخيرة وهي تمسك رأسها بإعياء صادق جعله يتوقف عن هزها بتلك الطريقة ونظر لها بشفقة 

 ‏اقترب يمسك بذراعيها ويجلسها على الفراش وتحدث بصوت تحمل نبراته الندم 

" اجلسي كي اعقم هذه الجروح.... وبعدها تأكلي لانك لم تأكلي شئ طوال النهار والجميع كان معتمد عليك بتدبير معظم الأمور "

 نظرت له بصدمة كيف عرف انها لم تأكل  هل يهتم؟ طبعًا يهتم يا حمقاء الست اختًا له كما قال لك ذات مرة ابتلعت غصة جديدة لم تعلم عددها لليوم وصمتت تنظر له وتمتع عيناها برؤياه من هذا القرب وهو لاهي بما تفعل، وتحمد الله أنه لا يراها حتى تحافظ على الجزء الصغير المتبقي من كرامتها...أي كرامة تلك التي تملكين فكرامتك يا بلهاء أصبح مكانها مكب النفايات...


 منذ عودته وهي  تنظر له خلسة وتتجنب الحديث معه كي لا تفضحها نظراتها أو نبرة صوتها فهو حبيب الطفولة والشباب الذي لعنت بعشقه من طرف واحد ..

 ‏كانت شاردة ولم تنتبه أنه انتهى ولف يدها بالشاش الطبي الأبيض وشرد هو أيضًا بملامحها في ذلك الحجاب الأبيض وعيناها الساحرة التي تشبه حجرين من زمرد وأنفها المستقيم وشفاها الممتلئة المغرية حد الفتنة هي كلها جميلة وساحرة، لما لم يتمعن النظر بها قبل ذلك فهو منذ عودته لم يركز في ملامحها ولا بجسدها الممشوق بطريقة محببة، ليست نحيفة جدًا بشكل مستفز، بل  تملك مقومات يظهرها هذا الفستان بسخاء...مقومات مغرية جدًا وصحيحة جدًا تُذهب عقل اي رجل يحمل دماء حرة، فجده محق فهي رائعة الجمال وعلى ذكر جده استفاق من تفحصه لها وتنحنح ليجذب انتباهها له لكي تستفيق من شرودها هي الاخرى وتحدث..

 ‏" ألن تبدلي ملابسكِ كي تأكلي وتستريحي فاليوم كان مرهق.. "

‏نظرت له بحزن وهتفت 

" ملابسي بغرفتي والملابس التي هنا لا تخصني " 

مسك يديها لتجفل من حركته التي لم تتوقعها ولكنها أحبتها أحبتها جدًا وسمعته يتحدث

 " أمي تركت العرس هي وعمتي لتجلب جميع ملابسك إلى هنا  فهذا المكان أصبح لك مجددًا..... كان و دائمًا لكِ ياوتين فأنا ضيفك الذي سيكون ضيف خفيف لن يزعجك أبدًا "

 نزلت دموعها بصمت على خدها وكأنها تشكيه كل ما مرت به من أوجاع 


 ‏لم يشعر بنفسه واقترب  يضمها بشدة ويربت على رأسها بحنان لتنفجر في البكاء وكأنها تسقط كل حملها عليه وتقترب منه اكتر وتتشبث به، لم يجد سبيل سوى ضمها اكثر و كأنه سيدخلها بين ضلوعه، فتلك الصغيرة تمتلك بداخله غلاوة منذ صغرها لتنفجر  دفعة واحدة عندما شاهدها تبكي وتنوح أمام العائلة ، ليتألم قلبه على الأميرة الصغيرة  وعندما نظر إلى ابتسامة غدير الشامته لها بكل خسة وحقارة دون أي شعور بالندم، علم اي قذارة أنقذه الله منها ومع ذلك فهو يريد فترة من الوقت يرتب فيها أفكاره ومشاعره  لأن ما حدث لم يكن بشئ بسيط أبدًا...

شعر بسكونها ‏بين يديه أخيرًا..

 ‏ أبعد وجهها عن كتفه ليشاهد عيناها التي تحولت لبركتي دماء  وكحل عيناها الذي نزل على وجنتيها من كثرة البكاء وأنفها وشفتيها التي تحولوا للون الأحمر من يراها يشبهها بثمرة يقطين باكية ولكن في هذه اللحظة تملكه شعور وكأنها حورية خرجت من البحر لتفتنه، رفع يده يبعد عنها حجابها ليظهر شعرها العسلي الرائع، فك شعرها من عقدته لينسدل على ظهرها وحول وجهها كستار من الكراميل الذائبة التي تحيط الحلوى ويجعلها شهيه تسيل لها اللعاب كم تشبه القمر في ليلة اكتماله فهي كالبدر المضيئ... حاول أن يخرج نفسه من حاله التيه والرغبة المسيطرة عليه  في هذه اللحظة والخروج من هذا الوضع الصعب الذي زاده صعوبه هو استكانتها واستسلامها بين ذراعيه يعلم أنها غير واعية ...واستكانتها بين أحضانه هو لحاجتها للشعور بالأمان ....حاول حث نفسه على البعد ولكن جسده وعقله رفعوا عليه رايات العصيان والمطالبة بالقرب والدفئ بأنفاسها.. 


 ‏لم يعي الا وهو ينقض على شفتيها يقب*لها بعمق وكأنه يترجاها أن تريحه من تناقض مشاعره وتبتعد هي لانه لن  يقوى على البعد لم تكن قب*لة ولكنها امتزاج ضعفهم وحيرتهم وخذلانهم ..

 ‏تحولت لرغبة صريحة منه وترك غريزته  تتحكم به عندما شعر بها تبادله قبلته فقد أحيت كبريائه وأصلحته بعد تحطمه وهو يشعر أنه مازال مرغوب بعد أن أصابت غدير كبريائه بمقتل ..

 ‏تشبثت به وبادلته قبلته بقوة توازي قوته رغم إختلاف الأسباب... ومن يلومها فها هو حبيب عمرها قريب منها ويلمسها كما تمنت يومًا أن تكون له وحده لأنها لن تقوى على تحمل لمسات أي رجل غيره، لذلك لم تفكر أو تخجل أو تخاف، بل رفعت رايات استسلامها بكل يسر لذاك المحتل فهو كل الرجال بنظرها، وها هو قريب منها حتى امتزجت أنفاسهم...


 فإن كانت قد  اقسمت على عدم الضعف فها هي تضعف من أول لمسة وتستسلم له،شعرت بيده على ظهرها العاري بعد أن أنزل سحاب ثوبها ويده تجتاح جسدها وكأنه يطبع ملكيتة عليه ويصكه بصك ملكية (بدر الرازي ) خلصها من ثوبها بسرعة ولهفة واتبع بملابسه تاركها على أرضية الغرفة تشهد اتحاد أجساد  وأرواح  مستسلمة بين غياهب العشق والرغبة ....فإن كان استسلامها يحمل عشق خالص، فإستسلامه يحمل رغبة صريحة ومشاعر جديدة لا يعلم ماهي ولن يتوقف ليحللها الآن...

ليعم صمت الكلمات، ولا صوت يعلو فوق لهاث أنفاسهم ودقات قلوبهم...

لتعلن عن مشاعر ولدت بهذه اللحظة ومشاعر أخرى زادت متانة تجذبهم لبعضهم البعض بأقوى الطرق وأعمقها وإن كانت سريعة وليس لها محل من الإعراب ولكنها كالعادة ترتيب القدر...

 ‏*****


أنهت صلاتها بالدعاء لصغيرتها وعائلتها جميعًا، فقلوبهم جميعًا اليوم أثقلها الحزن والهم...لقد جافها النوم بعد كل أحداث اليوم وما ألت لها الأمور...فهي حقًا حزينة من أجل صغيرتها وتين وبدر، وأبيها، وأيضا كاميليا وعزت الذين كانوا يبكون بأحضان بعضهم البعض بالحديقة...لقد ألمها قلبها عليهم بشدة... هي تتفهم موقفهم وشعورهم بالخزي من فعلت إبنتهم وتوقيتها الخاطئ، نعم توقيت رفضها كان خطأ بكل المقاييس...لو كانت أعلنت قبلًا عن رفضها لكانوا جميعًا تفهموا موقفها واحترموا قرارها لكنها تصرفت بتهور ووقاحة ولم تبدي أسفًا على فعلتها أبدًا بل وقفت بكل وقاحة تتابع إنهيار وتين بسخرية جعلتها تتركهم وتنصرف بعد صعود وتين وبدر حتى لا تتهور على تلك المدللة وتعاقبها على فعلتها البغيضة...

سمعت طرقا على الباب لم تستغرب من الذي جاء لها بهذا الوقت فهي متأكدة أن لا أحد سينام في هذه الليلة، هكذا هم عائلتها حزنهم واحد وفرحهم واحد...

سمحت للطارق بالدخول الذي لم يكن سوى عبدالرحمن ..


تقدم للداخل وأغلق الباب، لتقف مريم من على سجادة الصلاة، تحملها وتطويها لتضعها على الأريكه وتجلس هي أيضًا وتشير لعبدالرحمن أن يجلس بجوارها ...

تقدم وجلس بجوارها بهدوء لم يتمكن من النوم أبدًا فأعصابه مشدوده ويشعر بالإختناق لم يتحمل المكوث وعندما تأكد من نوم رقية جاء ليجلس مع مريم، فهو يعلم أنها مستيقظة هي الأخرى، تنهد بثقل وقال بخفوت دون أن ينظر لمريم الصامتة هي الأخرى.. 

"هل تعتقدين أن عمر حزين منا الآن ؟

هل لم نحافظ على أمانة أخينا ؟ "

لم ترد مريم عليه ليلتفت لأخته الصامتة..أخته التي أفنت حياتها على ذكرى زوجها الراحل وعلى تربية وتين الصغيرة، هو لم يكن يقصدها بحديثه...فهي لم تقصر أبدًا في حق وتين لكنه خجل من نفسه كثيرًا وحزن على إبنة أخيه الصغيرة وخائف من فكرة أن يحزن عمر في قبره على إبنته. 

" مريم " 

" ماذا؟ " 

قالتها ونظرت له بهدوء وأكملت ..


" لا أعتقد يا أخي....عمر رحمه الله يعلم مدى حبنا وخوفنا على وتين ...وتين إبنتي الصغيرة" 

ثم استدارت لتنظر للصور على الجدار صورة منفردة لعمر وأيضا صوره منفردة لأكرم زوجها وصورة أخرى رباعية لها ولزوجها ولعمر وساره زوجتة... صورة لم يبقى منها أحد على قيد الحياة سواها...

استدار ينظر للصور هو أيضًا وهو يتمتم بالدعاء لأخيه وزوجته الحنون، وزوج أخته الرائع ترقرقت الدموع بعيناه ليمد يه ويمسح على وجهه عدت مرات قبل أن يسمع مريم تتحدث بصوت متحشرج متأثر بحزنها 

" عبد الرحمن" 

التفت لها بتساؤل لتكمل هي

 " إياك أن تعاقب أخيك على ما فعلته إبنته " 

نظر لها بتعجب من تفكيرها هذا! المفترض أنها تعرفه و تعلم أنه لن يفعلها أبدًا...فهو أخيه الغالي ولا يتحمل خصامه أبدًا ولن يعاقبه أو يتجنبه من أجل شئ ليس ذنبه يكفي شعوره بالخزي أمامهم ..

" ماذا تقولين مريم؟...أنا لا ولن أفعلها أبداً "

 لينظر لها نظرة لوم وعتاب وأكمل، 

"مفترض  أنك تعرفيني جيدًا يا سيدة ميمو "

أخفضت عيناها وقالت بنبرة خجلة 

" أعلم أخي فأنت دائمًا حنون ورائع... أرجوك لا تغضب مني " 

ابتسم وربت على رأسها بحب و هتف

" أبدًا ...لن أغضب أبدًا "

ابتسمت له وإرتمت بأحضانه وهي تتحدث بدلال طفولي 

" حسنا ضمني كثيرًا قبل أن تستيقظ زوجتك الغيور وتأتي تشاركني أحضانك "

ابتسم وشدد من ضمه لها، ومال يضع قب*لة حنونة على رأسها  لتغمض عينيها وتستكين بأحضان أخيها الحنون الرائع .


*****

 ‏استيقظ على صوت أنين وشهقات،قد ظن أنه يحلم وحاول النوم مرة أخرى لكن كان الصوت صريح ولا مجال للشك  نظر حوله ليراها جالسة تعطيه ظهرها وتخبئ جسدها كله وجزء من شعرها بمفرش للفراش وتبكي وجسدها يهتز بقوة، كانت في حالة انهيار تامة جعلته يغمغم بصدمة

" يا إلهي ماذا فعلت بها "


رواية استوطننى عشقك الفصل الثانى 2 من هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية استوطننى عشقك)

تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)

 

روايات شيقة ❤️
روايات شيقة ❤️
تعليقات