رواية استوطننى عشقك الفصل الحادى عشر 11 بقلم شيرى الجرف
رواية استوطننى عشقك البارت الحادى عشر 11
رواية استوطننى عشقك الجزء الحادى عشر 11
رواية استوطننى عشقك الحلقة الحادية عشر 11
رواية استوطننى عشقك بقلم شيرى الجرف
رواية استوطننى عشقك |
رواية استوطننى عشقك الفصل الحادى عشر 11
الفصل الحادي عشر
دخل إلى الحديقة يغمغم بتذمر وغيظ من ذلك المستفز الذي ينتظره منذ وقت طويل وقد قال له أنه على الدرج، بحق الله هل يحتاج نزول الدرج كل هذا الوقت، سوف يتأخرون هكذا وطريق الوصول للمطار طويل...زفر بغيظ وهو يسب بدر وتأخره هذا، لم ينتبه إلى قذيفة اصطدمت به وهي تركض بسرعة...
سمع تأوها ونظر بصدمة إلى الساقطة أرضًا من قوة الاصطدام، لم يتمكن من منعها من السقوط لتفترش الأرض وهي ممددة على ظهرها وتتأوه..
تأوهت بآلم من ظهرها ورأسها التي اصطدمت بالأرض بقوة وملامحها انكمشت وهي تنظر إلى الواقف الذي تتلبسه الصدمة فقد كانت تركض ولم تراه ولم يخطر ببالها أن يكون بحديقتهم بهذا الوقت...وكيف تتوقع حضوره بحديقة منزلهم فجرًا بحق الله..
اعتدلت بتأوه ومدت يدها تخفي شعرها تحت قلسونتها وحاولت الوقوف، مد يده يساعدها بحركة غير واعية منه ولا متوقعة لها، فهي حتى لا تتذكر متى أخر مرة صافحته...حاولت أن تقف بدون مساعدته، لكنها بلحظة تبدلت إلى أخرى ترغب في مساعدته وملامسة يده، لم تعي لنفسها وهي تضع كفها في كفه كي يسحبها لتقف بتوازن على قدميها وبالرغم من تأوهها إلا أنها شعرت بشئ يحدث داخلها وهي تشعر بكفه الدافئ يقبض على كفها بتملك... بطريقة أحبتها بل أحبتها كثيرًا، بماذا تهذي يا مختلة، أفيقي غدير واسحبي يدك فهذا لا يجوز يا فتاة..
تنحنحت تسحب كفها وتهرب من عيناه التي تربكها بنظرة غريبة توترها ودائمًا تجهل تفسيرها، ادعت التذمر وهتفت بغيظ..
"لماذا لم تنتبه"
نظر لتذمرها وهو لا يصدق هل لمس يد أميرته أم أنه يتوهم...وهل هي أمامه بعد أن كان يتمنى حدوث المستحيل و يراها قبل سفره، هل كانت أبواب السماء مفتوحة وهو يتمنى رؤيتها..
لقد كان محبط عندما لم يتمكن من رؤيتها فأكتفى أن يرسل لها السماعات فقط علها تحادثه لكنها اكتفت بالرسائل فقط...هل حقًا أمنيته تحققت وتقف أمامه وتحدثه بل ولمسها أيضا، إذن هو لا يتوهم ولا يهلوس أليس كذلك..
"لم أراكِ ولا أتوقع وجود أحد هنا بهذا الوقت"
قالها بصوت متحشرج ولكنه تابع بنبرة قلقه عندما فطن لتأخر الوقت وركضها بهذه الطريقة..
"هل أنت بخير؟
ولما تركضين هكذا هل حدث شئ معكِ...أنتِ بخير أليس كذلك "
نظرت للقلق المرتسم على وجهه بإندهاش ونبرته أثارت الحيرة داخلها والسؤال هنا، هل شهامة منه أن يطمئن عليها أم أنه يهتم؟
و لِما تتمنى أن يكون سؤاله اهتمام، حسنًا غدير لا تفقدي عقلك وكفى هذيان، هو لا يعني لكِ شئ ولا أنتِ أيضًا...يكفى حماقه وتفاهات ليس لها داعي.
تنحنحت بهدوء ظاهري وهتفت
"أنا بخير...كنت جالسة مع وتين...ليس هناك شئ مقلق لا تخف"
تنهد بقوة وكأنه كان يحبس أنفاسه مما جعلها تكمل بتوتر
"شكرًا جزيلًا على السماعات وكل شئ"
ابتسم ابتسامة هادئة وهو أبعد ما يكون عن الهدوء، بل يشعر أن كل ما به الآن صاخب بجنون
"العفو....لاعليكِ أنها شئ بسيط"
نظرت له بصمت تتمعن النظر به بجرأة غير واعية لها، ليبادلها النظرات وعيناه تمر على كل أنش بوجهها ويعود ليتطلع لعيناها التي يعشق...قبل أن يسمعها تهمس بخفوت وعيناها لم تفارق عيناه وكأن هناك قوة مغناطيسية تجذبها للغرق بهم
"مالذي أفسدته بك...هل سببت لك الأذي أنت أيضًا من دون أن أدري"
لم يبعد أنظاره عنها أبدًا بل غرق في سحر عيناها، وسماع همسها بهذه الطريقة أذاب أعصابه ليتمنى أن يقف الوقت عند هذه اللحظة فقط وتبقى أمامه هكذا طوال حياته ولا يرغب بشئ أخر...ليهتف بهمس خوفًا من تبدد السحر الذي يحيط بهم
"يومًا ما سأخبرك.... حقا أتمنى أن أخبرك"
لم ترد عليه وكأنها انفصلت عن العالم وهو أيضًا وبقي هكذا بعض الثواني أو الدقائق أو ساعات لا يعرفان، لأنهم حقًا انفصلا عن كل مايحيطهم وغرقا في عيون بعضهم البعض ولا مجال للانقاذ من الغرق، فهو بحر بلا مرسى...
جفلا على صوت بدر وهو ينظر لهم بغموض وكأنه فطن لشئ مهم وخطير
"ماذا يحدث هنا "
تنحنح طارق وحاول لملمة شتات نفسه وهتف بثبات مزيف...
"لا شئ ...دخلت لأرى لِما تأخرت هكذا...هيا سأسبقك لقد تأخرنا"
قالها وتحرك يهرب من غدير ومشاعره ونظرة التساؤل بعين بدر، لينظر لها بدر بغموض وتساؤل يحتل عيناه قرأته بسهولة قبل أن يتنهد ويتحرك ينصرف هو الآخر بهدوء...
ارتبكت من نظرات بدر ومن نفسها ومن طارق، كيف تاهت هكذا أمامه، بل كيف وقفت بكل وقاحة تنظر له وتغرق بعيناه ولا تريد النجاة أبدًا...انتبهي يا حمقاء وابتعدي أنت مازلت بمنطقة الأمان ولن تفيدك تعقيدات الحب البغيضة ولاعذابه...يكفي وتين وعذابها الذي لا ينتهي، أي حب هذا من قال أنه حب!
لا لا هي لا تشعر بشئ تجاهه ولا تجاه أي أحد أخر، هو فقط يربكها ويخجلها لا أكثر...نعم هو كذلك...هيا أنفضي تلك الأفكار الحمقاء عنك واذهبي لرؤية وتين حتى تصعدا لتناما تكفي هذه الليلة بكل بأحداثها..
لم تكد تتحرك حتى سمعت صوت أبيها يتسائل بإندهاش
"غدير ماذا تفعلين هنا بهذا الوقت"
تنحنحت ورفعت يدها تحك جبينها، مابال الجميع يستيقظ الآن...هتفت بخفوت وهي تشاهد أبيها يقترب منها بإندهاش...
"كنت ساهرة أنا ووتين بالحديقة الخلفية....وتركت بدر يتحدث معها قبل رحيله...وكنت ذاهبه لأناديها لندخل البيت"
أومأ بهدوء وقال وهو يربت على رأسها ...
"حسنًا أصعدا لتناما يكفي سهر، لقد حل الفجر"
أومأت وابتسمت له بحنو وسألته
"هل أنت ذاهب للمسجد؟ "
"نعم...ولكن سأجلس قليلًا أنتظر عمك ينزل لنذهب سويا"
أومأت من جديد وهتفت وهي تتحرك وتشير له بكفها
"حسنا...سأذهب لوتين "
*******
مد يده يفتح زجاج السيارة يستنشق نسيم الفجر العليل وهو مغلق العينين، زفر أنفاسه وهتف ببطئ وهو مازال يغلق عيناه
"هل هناك ما تريد أن تخبرني به طارق"
ارتبك طارق الذي يقود سيارته وضغط على دواسة البنزين يسرع السيارة أكثر قبل أن يهتف بتوتر
"سأخبرك يا بدر....لكن أحتاج بعض الوقت"
التفت بدر له وفتح عيناه ينظر له بهدوء وهتف
"ولماذا الوقت طارق...في حياتك كلها لم تتردد في اخباري بشئ...نحن نكمل بعضنا البعض...أم نسيت هذا"
التفت ينظر له نظرة سريعة قبل أن يعود بإنتباهه للطريق وهتف بصدق
"أنت أخي يا بدر وصديقي وأقرب شخص لي بهذا العالم وأنت تعلم هذا....صدقني لن أرتاح قبل أن أخبرك لكن أعطني بعض الوقت....وأرجوك ثق بي"
تنهد بدر بإحباط وهتف بهدوء
"حسنًا ياطارق لن أضغط عليك...وأعلم أنني أثق بك دائمًا "
أومأ طارق بإمتنان لصديق عمره الذي لا يعلم كيف يخبره أنه يعشق خطيبته السابقة التي كانت ستصبح زوجته لولا تراجعها...لو كان الأمر طبيعي لأخبره أنه يعشق ابنة عمه...لكن ليس هناك شئ طبيعي ولا يضمن ردة فعل بدر حول الأمر وكذلك غدير، هو متأكد أنها لا تحبه وتراه مجرد شخص يعمل لديهم وبالرغم من الأمل الذي تسلل لقلبه من تغيرها معه ومع الجميع في الفترة الأخيرة، إلا أنه لا يريد أن يتأمل وينصدم في النهاية...يعترف أنه أكثر الأشخاص جبنًا في هذا الأمر...حاول أن يبعد عقله عن التفكير بها وخصوصًا بعد حديثهم في الحديقة والمشاعر التي اجتاحت كيانة دفعة واحدة..
تنحنح قبل أن يزفر بقوة وهتف يسأل بدر
"هل أخبرت وتين"
ابتسم بشقاوة وهز رأسه بنفي ليعقد طارق حاجبيه بإندهاش وتسائل مجددًا
"لماذا "
تنهد بدر وعقد ذراعيه واسترخ في مقعده وهتف بهدوء
"وتين مجروحة من الجميع وشعورها أنها جبرت على كل شيء يؤلمها....تظن أنها فرطت في كرامتها وتهاونت في حق نفسها....لذلك عندما تمسكت بالطلاق أمام الجميع رغم شعوري أنها لا تريده، لكن طلبها بهذه الطريقة كان محاولة منها لإسترداد كبريائها...لذلك رضخت لها ونفذت لها ما تريدة رغمًا عني...حتى ترتاح وتشعر أنها المتحكمة الوحيدة بحياتها....لكن لوعلمت الآن أنها مازالت زوجتي وأنني أعدتها إلى عصمتي فور ندمي واكتشافي أنني لن أقدر على العيش بدونها وأنني أعشقها، وقتها ستنسى كل شئ وستتخيل نفسها أنها لعبة بيدي ولم تملك من أمرها شئ....وستفكر أنني أجبرها مجددًا"
نظر له طارق بذهول وهتف بإندهاش
"لكن ماذا ستفعل "
ابتسم بدر ونظر للخارج وهتف بحزم
"سأبدأ معها من جديد...أتغالظ على وتين الصغيرة المحبوسة بداخلها وأساعدها للخروج مجددًا....وأغازل وتين الكبيرة وأحاول كسب مشاعرها في صفي حتى أمتلك قلبها وجعلها تبادلني العشق"
نظر أمامه بخبث وهو يكتم ابتسامة ملحة على وضع صديقه العاشق والذي يظن أن وتين لا تحبه، لكنه لن يكشف سر صديقته الصغيرة مهما كان بدر مهما عنده...
عاد يكتم ابتسامتة وهتف بخبث
"ولكن ماذا ستفعل إن اكتشفت أنها لا تريدك ولا تحبك"
عقد حاجبيه للحظه قبل أن يهتف بتصميم
"سأفعل كل شئ حتى أحصل على حُبها...حتى لو كان آخر شئ أفعله بحياتي"
ضحك طارق وربت على كتف صديقه بود وهتف بسعادة
"حسنا ...أتمنى لك التوفيق يا صديقي...وتكسب حرب العشق مع الأميرة الساحرة"
ابتسم بدر وعاد يغلق عيناه وهو يزفر براحة...نعم أنها حرب العشق الذي ينوي أن لايخرج منها أي خاسر لأنهم سيفوزوا ببعضهم في النهاية وهذا ما سيعمل عليه وأيضا يحصل عليه...فوتين له وهو لها وقد أهداه القدر بها، فمن هو حتي يرفض هذه الهدية..أنها حبيبته التي كان أدخر قلبه وجسده لها والآن قبل أن يفكر بنفسه عليه أن يفكر بها ويرمم روحها ويداوي جروح كبريائها حتي ترتاح ساحرته.
*********
قبل قليل...
راقبت بحسرة اختفائه عن أنظارها وهي تنادي عليه بإستغاثة خافتة...لكنه لم ينظر للخلف أبدًا بل أكمل طريقه وكأن هناك شبحًا يطارده..
تهاوت تسقط على الأرض بعد أن فقدت ساقيها القدرة على حملها...حاولت الوقوف مرة أخرى، لكنها لم تقوى وكأنها أصابها شلل بساقيها مصاحبًا لآلم لم تعد تتحمله...
انكمشت ملامحها بآلم وعيونها تذرف الدموع بغزارة مصاحبة لتأوه متألم..
شعرت بتدفق دم غزير جعل اقدامها تتلون بالدماء الكثيفة التي لا تعلم من أين ظهرت وكلما حاولت التحرك تشعر بالتدفق يزيد أكثر وأكثر ..
وضعت كفها تتفقد ثوبها وقدميها بفزع امتزج بصدمة عندما تلون كفها بالدماء لترفعها تنظر لها برعب.. ليضربها آلم شديد بأسفل بطنها تزامنا مع ألم شديد بظهرها..
تأوهت ورفعت يدها وكأنها سوف تمسك بأحدهم وهي تردد وتنادي بأسم بدر الذي رحل ولم ينظر خلفه..
انزلت يدها وبكيت كثيرًا بضعف وألم، حاولت أن تقف مجددًا لكنها فشلت لتحاول الزحف،لكن كلما تحركت التدفق يزيد أكثر...ووطأة الألم تكون أقوى وكأن روحها تنتزع من جسدها...
نظرت للظلام الذي يحاوطها وشعرت أن الظلمة اشتدت بها وعم السواد حولها بطريقة ضبابية خانقة، وكأنه تحول لوحوش تخنقها وتجرح في جسدها ليزيد الآلم والرهبة وهي وحيدة وخائفة..
بكيت وصرخت بضعف تنظر للسماء تستنجد بخالقها وهي تحاول فهم مايحدث معها فمن المستحيل أن تكون الدماء هذه عادتها الشهرية...فماذا عساه أن يكون؟
ولِما تشعر أنها تفقد شئ عظيم، شئ لازالت لاتعلم ماهو، هل يعقل أن تكون حامل! كيف؟ أنها مرة واحدة...هل تحمل المرأة من مرة واحدة فقط...لا يإلهي أتمنى الاصابة بمرض ما ولا أكون أفقد جنينًا، ياإلهي لا تذيقني هذا العذاب أرجوك..
بكيت أكثر وهي تحاول تنادي أحدًا فلم ينطق لسانها سوى اسم بدر وكأن العالم خلى من البشر إلا هو فقط...
ركضت عندما وقع نظرها على وتين المسجية على الأرض وغارقة بالدماء...
اقتربت تناديها بهلع وهي تحاول ايجاد مصدر الدماء الذي يغطي نصفها السفلي كله...رفعت يدها تهز وتين التي تأوهت بآلم وهي تردد بخفوت
"بدر...بدر "
ردت عليها بهلع وهي تحاول تحريكها أو فعل أي شئ تساعدها به لكنها عاجزة عن فعل أو فهم أي شئ
"مابه بدر؟...ماذا فعل لك"
وكأنها لاتعرف أحد ولا تعلم من الكلمات سوى اسم بدر لتردد اسمه بتيه مرارًا وتكرارًا...
أصاب غدير الرعب على وتين لتصرخ تنادي أبيها ولم تكتفي بل تبعتها بصرخات كثيرة هلعة حتى أوقظت كل من بالمنزل...
كان عزت الأسرع في تلبية النداء وعندما شاهد منظر وتين لم يأخذ وقت في التفكير بل أسرع بنزع كنزته الرياضية وألبسها لها وحمل وتين وهو يصرخ ويأمر غدير أن تكف عن الصراخ وتأتي خلفه...
شاهد عبد الرحمن المنظر وارتعب على وتين ولكنه استدار سريعًا يدخل المنزل ليجلب الأموال ويخبر الجميع الذين استفاقوا بهلع على صوت الصراخ وتسابقوا جميعًا كي يذهبوا خلف عزت إلى المشفى...
********
وقفوا جميعًا دون استثناء حتى عامر رفض المكوث في البيت وأصر على الحضور وها هو يتكرر الموقف بإنتظارهم أمام غرفة الفحص ولكن هذه المرة المريضة لم تكن سوى وتين...
يرتسم على ملامحهم الرعب والترقب وهم يدعون الله بصمت لايكسره سوى صوت بكاء مريم المرتفع بحرقة وبالرغم من محاولة رقية وكاميليا لتهدئتها لكنهم فشلوا ومع ذلك يتمكن منهم الخوف والقلق على صغيرتهم...
جلست أرضًا تبكي وهي تنظر لكفيها الملونة بالدماء وثيابها بقلق جعلها تردد بفزع يصيبها كلما مرض أحد من عائلتها ودائمًا تهاب الفقد..
"وتين سوف تموت....سوف تموت "
جثي أبيها بجوارها وأحاطها بذراعيه والدموع تترقرق في عيناه وقال بصوت قلق
"اهدئي يا ابنتي...وتين بخير...وسيخرج الطبيب ليطمئننا بعد قليل ....لا تخافي"
نظرت له بشك ليرد بإيماءة ويربت على رأسها ويدعوا الله بصمت أن ينجي ابنة أخيه الغالية و قطعة منه
اقترب عبدالرحمن من أبيه الشاحب وربت على كتفه بصمت ليحرك عامر رأسه بصمت ومازالت عيناه مصوبة على الأرض...
خرج الطبيب لينتفض الجميع يستقبلوه والقلق يعصف بهم ليبادر عبدالرحمن بسؤاله عن حالة وتين ليتنهد الطبيب ويهتف بعملية ...
"يبدو أن المريضة تعرضت إلى ارهاق بدني بالاضافة إلى حالتها النفسية الغير مستقرة....مما أدى إلى فقدانها للجنين"
شهقات مصدومة ترددت بالمكان قبل أن يخيم الحزن عليهم وتنفجر رقية ومريم في بكاء حاد بينما غدير انهارت على الأرض بصدمة و كاميليا التي تزرف الدموع بصمت وهي تضع يدها على فمها بحزن.
حاول عزت التماسك وهو يسأل الطبيب بنبرة حزينة
"وهل ستحتاج إلى إجراء عملية جراحية "
نفي الطبيب و رد بنبرة روتينية وقد تعود على أن يرى أحزان الناس بتماسك
"لا سنكتفي بالأدوية فقط والراحة...و بالطبع مراعاة الحالة النفسية للمريضة...و ستبقى الليلة تحت الملاحظه وبإمكانها الخروج غدًا"
قالها وانصرف ليترك خلفه قلوب مجروحة وممزقة على حفيد لم يروه ولا يعلموا بوجوده أيضًا...حفيد تمنى البعض قدومه وبات يحلموا به من قبل أن يأتي...لعله يكون همزة الوصل بين أبويه، لكنه أتخذ قراره ورفض القدوم لدنياهم وتركهم ورحل قبل أن ينير العالم بوجوده وتشبع عيناهم برؤية ملامحه، التي سيكون تخيلها غصة دائمه بقلب أمًا لم تعلم بعد بفقدانها لجنينها...
"عبدالرحمن...هاتف بدر واجعله يعود"
قالها عامر وهو محني الرأس ويتكئ على عصاه بإرهاق وحزن ليرد عبدالرحمن بأسف
"هاتفه مغلق....وهاتف طارق أيضًا...يبدو أنهم بالطائرة"
**********
ممدده على فراشها بصمت بالغ، قلبها ينزف دمًا على فقدان جنينها الذي لم تعلم بوجوده ولاشعرت به وكأنه نسمة هواء لطيفة داعبت جسدها بهدوء بدون أن ترهقها أو تؤلمها، لتفارقها سريعًا بإعصار من الآلام المدمرة لجسدها و روحها..
تتذكر عندما فاقت ووجدتهم جميعًاحولها، معاداه هو، ذلك الذي كانت تحتاجه وتستغيث به، لم تكن تريد رؤية أحدًا بالعالم سواه هو، لكنه ليس هنا..تركها كما تركها أبويها وصغيرها...لقد علمت أنها فقدت جنينها قبل أن تغيب عن الوعي بفضل المهدئ الذي حقنوها به...
لِما دائمًا تخسر أقرب وأحب الأشخاص لها،ترى هي حقًا منحوسة أم سيئة لا تستحق أن يبقي أحدًا بجوارها..
أبويها تركوها طفلة لا تفقه شئ، وحبيبها لم يحبها وتركها وحيدة تلعق جرح الفراق...نعم كان قرارها ولكن تقسم لو كان عشقها لكانت تمسكت به ولم تتركه أبدًا..
وأخيرًا جنينها الذي تركها قبل أن ينبئها بوجوده ويقول لها أنا هنا أمي..أنا بذرة عشقك وقطعة من حبيبك...اهتمي بي أمي وأشعري بي...لِما لم تنبهني يا صغيري؟
أم أنا هي الأم الفاشلة الجاحدة التي لم تشعر بك ولم تحافظ عليك...
لم تنهار أو تبكي ولكن روحها تئن وقلبها ينزف دمًا والقهر تمكن منها والوحدة والحزن يقتات عليها..
وقتها سمعت جدها يطلب من عمها مهاتفة بدر مجددًا لعل الطائره وصلت و فتح هاتفه...لتهتف ببطئ لأول مرة منذ استفاقتها تطلب من عمها عدم اخباره وتركه ينهي عمله ويؤجل اخباره بالأمر حاليا..
نظروا لها بدهشة التقطتها فورًا لكنها لم تعبأ لهم ولم تتحدث مجددًا مع أحد ولم تبكي حتى، وبقيت هكذا حتى خرجت من المشفى...
من المحتمل أنهم ظنوا أنها لا تريد وجوده، وهذه هي الحقيقة..
نعم لا تريده أن يأتي الآن، مافائدة قدومه بهذا الوقت...هل ليربت عليها ويقول لها لاتحزني، وتحصل على شفقته فقط، لا...لا تريد منه شئ بعد الآن، ففي أكثر الأوقات التي احتاجته بها لم تجده، لم تكن تريد غيره..
والآن أيضًا لا تريد غيره..نعم..أنا كاذبة...أنا أحتاجه للبكاء على صدره، أحتاجه يضمني ويقول أنا أعشقك وسيرزقنا الله بأطفال كثيرة ،أنا أحتاجه يطمئنني ولا يتركني...أحتاجك بدر...أحتاج عناق طويل بين ذراعيك، أتنفس فيه رائحتك التي تعيد إلي روحي...ولكنك لست هنا، ولن تقول أي شئ ولن تضمني وتخفيني بين ذراعيك.. هو ليس هنا وتين ولن يكون بجوارك بعد الآن، لقد افترقتم للأبد ولايوجد مجال للرجوع، لذا تأقلمي على الوحدة وتين..
نزلت بعض الدمعات البطيئة من عينيها...دموع بارده ليست قادرة على تحرر روحها من الآلم الذي يضربها، وكأن حزنها يحتبس الدموع بداخلها ولا يسمح لها بالنزول لترتاح ولو قليلًا...دائمًا كانت دموعها قريبة، فماذا حدث الآن؟
شعرت بعمتها تربت على شعرها وهى تجلس على يمينها وغدير الجالسة على يسارها تمسك كفها وملامح الحزن والذنب الواضحة ترتسم على محياها تراها بوضوح منذ يومين..
نظرت لها لبرهة وابتلعت ريقها، حاولت أن تعتدل لكنها تألمت بضعف لتساعدها عمتها بوضع بعض الوسادات خلف ظهرها...أغمضت عيناها لبرهة قبل أن تفتحهم وتنظر لغدير وهي تهتف بضعف
"ماذا بك"
نظرت لها غدير وانفجرت باكية وهي تردد
"أنا أسفة"
نظرت لها بإندهاش وسألتها ببطئ
"لِما الأسف "
لم تكف عن البكاء، تشعر بالذنب يقتلها...وكلما تذكرت وتين وهي غارقة بالدماء، تشعر بالاختناق والألم..
هي السبب نعم، هي التي أصرت على عمل ذلك الحفل والرقص، لو لم تصر لكانت وتين تحتفظ الآن بجنينها..
نادتها وتين برفق لتهتف غدير بأسف
"أنا التي دفعتك للرقص....ولو لم أفعل هذا الاحتفال لكان الج"
قاطعتها وتين وهي تهتف بحزم يتناقض مع نبرتها الضعيفة..
"اصمتي يا حمقاء...وكفاك جلد لذاتك....أنا حتى لم أعلم بوجوده...فكيف ستعلمين أنتِ...وأنا كنت سعيدة بهذه الأمسية حقًا...وما حدث قد حدث"
أومأت مريم ومدت كفها تربت على رأس وتين وهتفت
"أخبري هذه الحمقاء....لقد تعبنا معها....منذ يومين ولم تكف عن البكاء وتردد أنها السبب فيما حدث "
هتفت ومازالت دموعها تنزل بغزارة تحسدها عليها وتين...ليتها تتمكن من البكاء علها ترتاح من النار الحارقة التي تشتعل بداخلها...
"لكنك حزينة "
أرجعت رأسها للوراء و تنهدت، أغمضت عيناها وهتفت بقهر لم تتمكن من اخفاءه
"نعم .....كثيرًا"
نظرت لها مريم وغدير بحزن بالغ على حالها وهم يتسائلان لِما لم تحصل على السعادة التي تستحقها بعد
لماذا يحدث لها كل هذا، والإجابة، لا إجابة...فهي أقدار وابتلاءات رب العالمين رحمة..
فتحت عيناها بتصميم ونظرت لغدير وهتفت بضعف
"غدير هل لكي أن تعدي حقيبة سفري"
"ماذا "
قالتها مريم وغدير معًا قبل أن تستأنف مريم بإستنكار
"وتين أنت مريضة ويجب عليك الراحة....أي سفر بحق الله "
نظرت لها وتين برجاء ومدت كفها تمسك بكف عمتها وهتفت بقلة صبر..
"بحق الله أمي...أقسم عليكِ بروح أبي وعمي أكرم...لا تعارضي ولا تجعلي أحدًا يعارض سفري...أنا منهكة وأريد هذا الآن وبقوة وأكثر من أي وقت مضى"
نزلت دموع مريم ورفعت ذراعيها تحاوط وتين و رددت برجاء حزين
"يا ابنتي أرجوك "
"بل أرجوك أنا أمي"
هتفت بقلة صبر وحولت أنظارها لغدير الصامتة وهتفت
"هيا غدير ....فميعاد رحلتي غدًا مساءًا...لا تضعي أشياء كثيرة...أنا أمتلك ثيابًا كثيره هناك....بعض الأغراض الضرورية فقط وحاسوبي"
أومأت غدير بصمت بعد أن علمت منها ماذا تريد بحقيبتها قبل أن تنصرف وتصعد إلى شقة وتين لتجمع أشيائها...فوتين بعد خروجها من المشفى مكثت بغرفتها القديمة بالطابق الأول مع جدها وعمتها...
"ولكنك مازلتِ مريضة وضعيفة ياابنتي"
قالتها مريم برجاء علها تقنعها لآخر مرة ولكن يبدو أنها اتخذت قرارها النهائي ولا مجال للتراجع
لم تبتعد عن أحضانها و هتفت بنبرة مقتضبة
" أنا بخير"
رواية استوطننى عشقك الفصل الثانى عشر 12 من هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية استوطننى عشقك)
تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)