📁

رواية استوطننى عشقك الفصل الثالث عشر 13 بقلم شيرى الجرف

رواية استوطننى عشقك الفصل الثالث عشر 13 بقلم شيرى الجرف

رواية استوطننى عشقك البارت الثالث عشر 13

رواية استوطننى عشقك الجزء الثالث عشر 13

رواية استوطننى عشقك الحلقة الثالثة عشر 13

رواية استوطننى عشقك بقلم شيرى الجرف

رواية استوطننى عشقك الفصل الثالث عشر 13 بقلم شيرى الجرف
رواية استوطننى عشقك


رواية استوطننى عشقك الفصل الثالث عشر 13


الفصل الثالث عشر


 ‏" إلى متى يا أبي " 

هتفت رقية برجاء وهي توجه أنظارها إلى عامر الذي فهم سؤالها جيدًا وماذا تقصد به...ليته يملك الجواب، لكن للأسف هو لا يملك جواب شافي لها ولا لغيرها، لأنه لن يطلب من وتين الرجوع طالما لا ترغب هي بذلك...

هو بإمكانه أمرها بالعودة فورًا ويعلم أنها سترضخ لأمره مجبرة لكنه لا يريد أن يجبرها على شئ، يريدها أن تتعافى من كل ما مرت به...لقد كان فقدانها لجنينها القشة التي قسمت ظهر البعير، صدمتها الباردة وقتها نبأته عن بركان يفور بداخلها، لكنها لم تتمكن من إخراجه لذلك لم يعارضها عندما علم بسفرها وتركها تفعل ما تريد...

لكن الآن وبعد غيابها الذي دام شهرين يشعر بإشتياق بالغ لها ويريدها أن ترجع فورًا، ولم تعد تبتعد عنه أبدًا...حفيدته التي يعشقها عشقين، عشق ابنه الراحل وعشق حفيدته الحبيبة...

نظر لرقية وكاميليا ومريم وغدير  الجالسات معه ويرتسم الترقب البائس على ملامحهم، يعلم أنهم مشتاقين لها كثيرًا وكذلك حزنهم من فراقها عنهم وعن بدر الذي تحولت شخصيته كثيرًا بعدما علم برحيلها، بدر الذي غضب وثار من رحيلها بعيدًا وفجر قنبلته عن رجوعه في يمين الطلاق بعد طلاقه لها بساعات وأن وتين مازالت زوجتة...

 وتين التي لا تعلم إلى هذا الوقت أنها مازالت زوجة بدر ولا هو يعلم أن زوجتة فقدت جنينهما بغيابه.

 ‏ ‏" أبي " 


نادته رقية التي سأمت صمتة وشروده كلما تحدثوا في هذا الموضوع.. 

فهي حقًا ماعادت تقوى على تحمل وضع ابنها الصامت الغاضب وحقًا أصبحت تخاف على وتين منه عندما ترجع إلى البيت...ومع ذلك هي حزينة على وضع ابنها وتريده أن يرتاح،تشعر أنها بين شقى الرحى، فقد أمرهم عامر بعدم اخبار وتين برجوعها لبدر وكذلك عدم اخبار بدر بإجهاض وتين حتى لا يذهب لها ويرجعها رغمًا عنها، لأنها بحاجة إلى البعد حاليًا والانفراد بنفسها...تنهدت ببؤس وهي تنظر لعامر الذي هتف..

" لا يمكنني اجبارها على العودة يا رقية " 

صمتت رقية وهي تعلم أنها لن تفلح في اقناعه بإجبار وتين على العودة حتى يرتاح الجميع من هذا الأمر ..

لكن كاميليا لم تصمت وهتفت بهدوء ترد على كلام عامر 

"وماذا بعد يا أبي "

صمت عامر ولم يرد لتكمل وهي تنظر لمريم وهتفت بتذمر 

" لماذا أنتِ صامتة يا مريم...يمكنك أن تطلبي منها الرجوع وستفعل ...لا أعلم لِما أنتِ باردة هكذا....حقًا فاجأتيني كثيرًا "

نظرت لها مريم بهدوء وهي ترفع قهوتها تحتسي منها القليل بدون أن ترد عليها، كيف ترد وتشرح لهم شوقها الذي يخنقها ويرهقها فهي أكثر من يريد عودتها واشباع عينيها برؤيتها، فهي ابنتها وابنة قلبها وعمرها بحق الله فكيف تكون لا تهتم، فهي مجبرة على الصمت والتحمل...وبالرغم من كل هذا هي تعذرها فما مرت به ليس بالقليل أبدًا..لذلك لم تطلب منها العودة ولكنها بدأت تضعف كثيرًا ومع ذلك تحاول المقاومة، لكنها تشعر أنها ستفشل قريبًا وتطلب منها العودة سريعًا..

" مريم " 

 ‏ ‏نادتها رقيه بحنق وهي تنظر لصمتها وعدم ردها على كاميليا لتهتف الأخيرة بحزن لم تحاول اخفائه وقد لمعت الدموع بعينيها

" بماذا تريدون أن أرد عليكم...تلك الغائبة هي ابنتي وقطعة من قلبي وفراقها يقتلني...أختنق وأنا أعلم أنها مازالت تتألم بعيدًا عني...ومع ذلك لا يمكنني اجبارها على العودة.... أقسم أنا أعاني وأريد ابنتي بجواري...هل علمتم حجم معاناتي الآن" 

" أنا يمكنني ارجاعها إلى هنا " 

 ‏هتفت غدير الصامتة منذ بداية حديثهم بل وإن صح القول كانت شاردة في اكتشافها حول ذلك المربك لأعصابها...الذي أوصلها بصمت بالغ إلى المنزل ولم يحاول قطع شرودها واحترم صمتها واغماضها لعينيها طوال الطريق إلى أن وصلت إلى المنزل وشكرته بخفوت وفرت هاربة منه ومن مشاعرها الحديثة...

 ‏نفضت عنها شرودها ونظرت لترقبهم ونظرات التساؤل بعيونهم  قبل أن تهتف عمتها بلهفة 

"كيف يا ديرا " 

 ‏ابتسمت ونظرت لجدها وقالت بثقة

"يسمح لي جدي الذهاب لها كما طلبت هي مني مرارًا... أن أذهب سياحة وأقضي معها بعض الوقت هناك....وأعدكم أن أرجع ووتين معي "

 ‏أنهت كلامها ونظرت لجدها برجاء والجميع ينظر مابين ترقب ورجاء إلى عامر الذي صمت بضعة دقائق وهتف أخيرًا 

 ‏"حسنا ..يمكنكِ الذهاب " 


صاحت غدير بفرحة وانتفضت من مكانها تضم جدها الذي ربت  على كتفها بحنو وهتف 

"ولكن عليك الوفاء بوعدك يا صغيرتي " 

أومأت  وكلمة صغيرتي صعق قلبها وهي تتذكر أنها خرجت من ذلك الطارق على أبواب قلبها  بلهفة قلقة حطمت أسوار قلبها العالية...أسوار كانت تظنها من فولاذ واليوم اكتشفت أنها من ورق...كانت تتغنى بصلابة قلبها كما تغنى اليهود بخط برليف، ليأتي المصريون في بضعة دقائق ويدمرونه...نعم هذا ما تشعر به الآن ذلك المربك حطم حصونها بجبروت وجعلها تقع في فخ الحمقى وتدخل أرض العاشقين بقدمها أو أن صح القول، أرض الملعونين بالعشق...

كنتي دومًا تسخري من العشاق وتنعتيهم  بالحمقى،إذن مبارك عليك الحماقه يا ديرا..

" السلام عليكم"

أفاقت من شوردها على دخول أبيها و يتبعه عمها...تحركت تلقي التحية على عمها أولًا وتقبل وجنته ليبتسم لها بمحبة ويربت على وجنتها، لتستدير  تلقي نفسها بين أحضان أبيها وتقبله من وجنتيه وتخبره بحماس بالغ عن رحلتها التي وافق عليها جدها وتطلب موافقته هو أيضًا على السفر بإلحاح ودلال ليبتسم الأخير على دلالها ويمد يده يمسك أنفها ويهتف  

"حسنا يا لحوحة طالما جدك موافق فلا مانع عندي"

ضحكت وألقت نفسها بأحضانه بحماس وسعادة ليقاطعهم صوت كاميليا المغتاظ 

" أخذتي موافقة أبيك وجدك ولم تسألي عن رأيي ولا كأني أمك....فتاه قليلة الأدب " 

التفت لها وتحركت تجلس بجانب أمها و هي تبتسم بإغاظه و هتفت بدلال  

" لو كنتي معترضة كنتي تحدثتي منذ أن سمح جدي لي بالرحيل " 

صمتت لبرهه تغمز بعينها لأبيها الذي اقترب وجلس بجوار كاميليا من الناحية الأخرى وأكملت بخفوت

" أعترفي أنك تغاري على أبي مني لذلك أنتي حانقة يا أمي " 

ضربتها أمها على كفها وهتفت بحنق 

" أصمتي يا قليلة الأدب... يا وقحة " 

رفعت كفها مستسلمة لأمها وهتفت وهي تكتم ابتسامتها 

" حسنا....سأجلس بجوار عمتي حبيبتي كي ترتاح يا كامي " 

وأتبعت كلامها بتحركها لتجلس بجوار عمتها التي أخذتها في أحضانها وهي تمني نفسها بعودة ابنتها الحبيبة سريعًا كي تضمها وتستنشق عبيرها المحبب وتريح قلبها الملتاع من الشوق..

ضحك عزت على ابنته لتزجره كاميليا بعينيها، رفع حاجبه على غيرتها التي لم تخفي عليه واقترب يهمس بجوار أذنها  بحراره أربكتها رغم مرور كل هذه الأعوام 

" اعترفي أنها تقول الصدق...أنتي تعشقيني وتغاري حتى من ابنتك يا مالكة القلب والروح "

ابتسمت للفظ التحبيبي الذي يطلقه عليها ولم ترد عليه بل رفعت أنظارها تشاهد الجميع اللاهي عن ضربات قلبها الذي دائمًا ينجح حبيبها في جعل ضرباته ترتفع لعنان السماء...ولِما لا وهو حبيبها وزوجها ورفيق دربها...


"أين بدر يا عبد الرحمن....ألم يأتي معكم " 

تسائلت رقية بإندهاش ليرد  الأخير عليها بسرعة وهو يتحرك ليجلس بجوارها

" قال أنه مرهق وسيخلد للنوم ولا يريد أن  يأكل " 

أومأت بصمت حزين على وضع ابنها الذي لا يرضيها وأصبح يحزنها ويوجعها كثيرًا...ربت على كفها بمواساة وهتف 

" أتركيه على راحته.. هو ليس طفل " 

تنهدت بحزن وهتفت

" ابني يتعذب كثيرًا....ويحبها كثيرًا" 

أومأ عبد الرحمن وهتف بقلة حيلة

"وماذا سنفعل حيال هذا الأمر...كانت أمامه ولكنه لم يدرك قيمتها إلا بعد رحيلها"

رفعت يدها تمسح عيونها التي ترقرقت بالدموع بها وقالت بنبرة متحشرجة

" أحيانا لا ندرك قيمة الشئ إلا بعد ضياعه منا " 

أومأ وزفر أنفاسه وهتف بهدوء 

" معك حق...أسأل الله أن يكتب له السعادة التي يستحقها ويجمعه بزوجتة على خير " 

لتهتف بحرقة وهي تضع كفها على كفه 

" اللهم أمين " 

*************

على بعد ألاف الأميال  في تلك المدينة الجميلة، الأصيلة، المتمردة والباقية مهما مر عليها من أزمات وتغيرات، أنها بيروت عاصمة الشمس...

أو كما قال عنها الشاعر الكبير نزار قباني * ست الدنيا *..

أمام تلك البناية العريقة والراقية حيث احتضنت نسمات الهواء العليلة أوراق الأشجار وقدمت القبلات للزهور قبل أن تغلق أوراقها لتتلحف بها قبل أن تغفو، حيث ودعتها الشمس وشدت رحالها نحو المغيب...

استندت على سور الشرفة بيديها التي تركت عليها الأعوام بعض التجاعيد دلالة على أعوامها التي تجاوزت الستون...انها شمس الغالي..

أغمضت عينيها بهدوء وسحبت نفس عميق قبل أن يأتيها صوت حفيدها الحبيب..


"جدتي سأخرج قليلًا...هل تريدين شيئًا مني قبل ذهابي " 

استدارت تنظر لحفيدها الشاب ذو الثمانية عشر عامًا، حفيدها الحنون الذي ورث عيناها كما ورثتهم ساره ووتين بينما دانا ورثت عين أبيها الراحل...حفيدها الذي لم يتركهم يومًا ليبيت عند والده المنفصل عن أمه، بل يرفض رفضًا قاطعًا المكوث معه وقت طويل ويكتفي بزيارة أسبوعية يقضي معه يومًا كاملًا غير المقابلات المتفرقة بينهم...فهو دائمًا ما يقول أنه لن يترك نساءه بمفردهم، رغم صغر سنه لكنه رجل يعتمد عليه فمنذ قدوم وتين وهو يحاول اخراجها من حزنها وصمتها بشتي الطرق...

تنهدت وهتفت 

" هل ستخرج وتين معك "

نفى بقلة حيلة وتنهد وهو يضع يديه بجيبه ورد بأسف

" للأسف بعد محايلات عديده رفضت رفض قاطع " 

تنهدت شمس بحزن وصمتت ليقترب منها تيم يقبل جبينها وهتف بحنو..

" لا تحزني جدتي لقد تحسن وضعها كثيرًا الآن بخلاف وقت مجيئها....فهي تحاول أن تخرج من الحزن المسيطر عليها "

ربتت على وجنته وهتفت بأسي 

" لا بني هي تتظاهر... فمازالت تخفي ألامها بداخلها وتتظاهر بالعكس وتظن أنني لا أفهمها "

صمتت برهه تزفر أنفاسها و تركت الشرفة وتقدمت لتجلس على الأريكة الموجوده في بهو المنزل وهتفت 

" اذهب بني ولا تتأخر في العودة حتى لا أقلق عليك " 

أومأ لها وأرسل لها على الهواء قبلة يودعها بها ورحل ليترك جدتة شاردة في أعماق الماضي و هي تتسائل..

هل أخطأت عندما تركت وتين لأهل أبيها تعيش معهم...أم كان خطؤها عندما وافقت على زواج ابنتها من عمر الذي أخذها بعيدًا عنها حتى ماتت وهي في بلد أخر يفصل بينهما ألاف الأميال...لكنها لم تقدر على الرفض، فهي جربت فراق الأحبة ومن غيرها يعلم جحيم هذا الفراق، لذلك لم تقوى على الرفض عندما علمت بمدى عشق ابنتها لذلك المصري...كانت متخوفة من ذلك الغريب أن يكون مختل أو مجرم أو أي شئ يجعلها ترتعب من هذه العلاقة لكنه أثبت العكس...مازالت تتذكر عندما رجعت سارة من رحلتها السياحية بمصر وكانت كالطائر المحلق في سماء العشق....كانت حالمة تارة وتارة أخرى مشتاقة..وحالتها عندما كانت تأتيها المكالمات الهاتفية التي كانت تتحدثها بهمس وعشق يطل من عيونها جعلها تتأكد من ظنونها،حينها واجهتها وسألتها مباشرة لتجيبها سارة أنها وقعت بغرام رجل مصري...رجل أنقذها من لص كان على وشك سرقة أشيائها...قصة تكررت كثيرًا في الدراما، لتحدث مع ابنتها على أرض الواقع وتصيبها بالعشق من الموقف الاول والنظرة الاولى..

كانت تظن أن العلاقة ستنتهي بسبب بعُد الأميال بين البلدين واختلاف الأوطان، لكن العشق أثبت أن لا شئ يقف أمامه...وأنه قادر على تخطي كل الحواجز من أجل اجتماع الحبيبين، كما أثبت عمر أنه رجل حقيقي عندما جاء إلى بيروت مع والده وأخته ليتعرفوا عليها ويطلبوا سارة للزواج...بالرغم من خوفها لكنها اطمئنت لهم و أحبتهم كثيرًا ومع ذلك سألت عنهم من خلال السفارة التي يعمل بها أحد أقاربها واستخارت الله عز وجل ووافقت وهي ممزقة بسبب بعُد ابنتها عنها وبالرغم من ألم قلبها الذي سيئن من الفراق...

إلا أنها لم ترغب أن تتعذب ابنتها كما تعذبت يومًا عندما حرمها أبيها من حبيبها ليزوجها رغم عنها لزوجها رحمة الله عليه، ذلك الرجل الصالح الذي أنجبت منه بناتها وتكن له كل الحب والود...و لكن في جزء عميق بقلبها أخفت حبيبها الأول وأغلقت عليه، ومازالت تتذكرة بالرحمة وتدمع عيناها عليه وعلى شبابه الذي فقده بسبب موته بعد زواجها بفترة قصيرة، لينكسر قلبها وجعًا عليه...وجعًا لم يداويه سوى رؤية سارة بين يديها لأول مرة...سارة التي جعلتها تتحلي بالصبر والقوة وتراعي الله في زوجها، لذلك دائمًا كانت سارة سبب نجاتها وقوتها، وموتها كان سبب تحطيم قلبها وجرح لم يداويه أحدًا...فما أصعب أن تفقد أم أبنها...شئ لا يتحمله قلب ولولا وجود دانا وأحفادها تيم ووتين لكانت انهارت منذ زمن...


وها هي تقف عاجزة أمام جرح وتين وألامها...عندما حضرت كانت داخل صدمة باردة ولم تخبرهم بشئ مما حدث معها...فقد كانت صامتة وعندما عجزوا عن فهم ماحدث لها، قامت دانا بمهاتفة مريم وفهم منها كل شئ...عندها غضبت كثيرًا من الحاج عامر ومنهم جميعًا وندمت أشد الندم أنها تركت لهم حفيدتها ليسببوا لها الأذى هكذا...لكنهم كثفوا جهودهم مع وتين ليخرجوها من حالة الحزن والاكتئاب المسيطر عليها ونجحوا بعض الشئ بعد شهر كامل من المحاولات وقد قضيت الشهر الأخر تجلس معهم وتخرج وتتحدث ولكن مازال الحزن والحنين يسكن عيناها....هي موقنة أن وتين تعشق عائلتها وترغب في العودة ولكنها مكبلة بسبب عشقها البائس وحزنها العميق، حزنها التي لم تتخلص منه بعد...

تنهدت بألم ومسحت على وجهها وهي ترهف السمع لتلك الخطوات القادمة وما هي إلا لحظات وأتاها صوت حنون يشبه صوت أبيها الحنون...ليس صوت أبيها فقط، بل ورثت كل خصال أبيها الجميلة، حتى أصبحت حبيبتها دانا قطعة من أبيها رحمة الله عليه...

" تفضلي أمي...صنعت لكي القهوة كما تحبيها " 

رفعت أنظارها إلى ابنتها الجميلة بخصلاتها الشقراء وعيناها العسلية ووجها الجميل المحبب للنظر وشفتيها المكتنزه وأنفها الدقيق وجسدها الرشيق الذي من يراه يقسم أنها شابه ثلاثينية، لم تنجب بعد ، وليست أما لمراهق ووصلت للأربعين من عمرها...لقد من الله عليها وعلى فتياتها وحفيدتها بالجمال الفاتن وبالمقابل حرموا من الحظ الجيد...فسارة ماتت شابة وحرمت من طفلتها وحرمت من العيش والتمتع بجوار حبيبها...و دانا زوجها خانها لتنفصل عنه وابنها طفل صغير ، لتكره بعدها كل الرجال وتعيش لابنها وأمها وعملها فقط...ووتين عاشت يتيمة الأبوين وعشقت من طرف واحد وتطلقت بعد زواجها بشهر وفقدت جنينها...وهي حرمت من حبيبها وحبها الأول لتتزوج غصبًا عنها وعندما اكتشفت معدن زوجها الأصيل وأنه رجل قلبه من الألماس وأنها عاهدت ربها على تقديم الحب والتقدير والود له، قال القدر كلمته وانتقل إلى الرفيق الأعلى سريعًا وترك لها مراهقتين تواجه بهم الحياة بمفردها...كم هم منحوسات بهذه الحياة...

تنهدت بضيق من تفكيرها واستغفرت ربها سريعًا على ما فكرت به في لحظة ضعف منها ودعت الله أن يغفر لها وأنها راضيه بقضاء الله وقدره.. 

مدت يدها تأخذ من ابنتها الكوب وابتسمت لها لترد دانا بإبتسامة مماثلة وتجلس بجوارها وهتفت بتساؤل عندما لاحظت ملامح أمها الشاردة

" بما تفكري " 


رفعت الكوب إلى فمها ترتشف منه عدة رشفات قبل أن تهتف وهي مصوبة أنظارها أمامها بشرود 

" هل أخطأت عندما تركت وتين لأهل عمر رحمة الله عليه....أم أخطأت عندما وافقت على زواج سارة من عمر " 

نظرت لها بذهول وهتفت تناديها بتساؤل علها تستفيق من شرودها...

" أمي " 

عندما رأتها استدارت وانتبهت لها أكملت 

" ماهذا بحق الله أمي....ماذا بك...كل ما حدث كان إرادة الله عز وجل وليس بيدينا فعل شئ حيال الأمر" 

أستغفرت شمس بصوت مسموع وتنهدت بحزن 

" أعلم أبنتي....أنا فقط حزينة وغاضبة " 

اقتربت منها دانا ووضعت رأسها على كتف أمها و ردت بمهادنة...

" وتين فعلت كل شئ بإرادتها أمي كي ترضي جدها...وأنا واثقة كما أنتي أيضًا أن العم عامر لم يجبرها على شئ..لذلك لا تحقدي عليهم ...فجميعهم يحبون وتين ولا يتحملوا حزنها....وجميعهم مشتاقين لها بشدة...لذلك لا تغضبي منهم ياأمي " 

أومأت بصمت تتفق مع ابنتها فيما قالته ولكن غصبًا عنها هي حزينة وتلوم نفسها كما تلوم الجميع ...

تنهدت ورفعت كوبها ترتشف منه قبل أن تسمع صوت هاتف دانا يرن بإلحاح والأخيرة تتجاهله..

عقدت حاجبيها و تحدثت بنبرة واثقة  

" كمال " 

أومأت بهدوء دون رد لتهتف أمها بتساؤل 

" مازلت عند رأيك ولن تعودي له .....فكما أرى أنه لم ييأس ويرغب في العودة وكما قال لك هو نادم كثيرًا " 

رفعت دانا أنظارها لها ومازالت رأسها على كتف أمها وسألتها 

" وانتي ما رأيك أمي  " 


وضعت شمس الكوب من يدها على الطاولة ورفعت ذراعها تحاوط ابنتها لتصبح داخل أحضانها لترد بهدوء ....

" لا يمكنني أن أطلب منك مسامحته والعودة له....لو كان الوضع مختلف والمشكلة بينكم بعيدة عن الخيانة كنت طلبت منك اعطائه فرصة أخرى ....أما بهذا الوضع لا يمكنني أن أطلب منك مسامحته...لابد أن يكون قرارك نابعًا من داخلك وأنتي على يقين تام أن هذا ما تريدين....ولا تنسي أن تسألي نفسك هل يمكنك الصفح والعيش معه حياة سوية مبنية على الثقة التامة أم لا و إذا حصلتي على الجواب....أعطي له رأيك " 

ابتسمت دانا واندست بين أحضان أمها أكثر وهتفت بنبرة واثقة 

" أنا تعافيت من عشقة منذ أعوام حتى أصبح لا شئ بالنسبه لي..وجوابًا على سؤالك.... أنني لن أستطيع الصفح ماحييت...من يخون مرة ، يخون ألف مرة ياأمي 

لذلك لن أعود له أبدًا...وأنا أخبرته بذلك لكنه مازال لحوحًا بطريقة مغيظة....ومع هذا لن أعيره أي أهتمام ...فليفعل ما يحلوا له...لقد كنت معه وأمامه..كنت أعشقة بكل كياني وأتمنى رضاه، لكنه طعنني في قلبي بمنتهى الغدر....فلِما يبكي الآن؟

ما يحدث من صنع يده، فليتحمل نتيجة أفعاله...لم أغير قراري على مدار الأعوام الماضية ولن أغيره الآن مهما حدث " 

أهدتها شمس قبلة على شعرها ورفعت كفها تلاعب خصلات شعرها وهتفت بنبرة حنونة 

" حسنا حبيبتي طالما واثقة من قرارك فأنا أدعمك ومعك بأي شئ تفعليه....أنا أثق بك تمامًا وفخورة دومًا بجميلتي دانا " 

رفعت دانا رأسها وقبلتها على وجنتها وضمتها مرة أخرى وهتفت بثقة 

" أنتي دومًا مصدر قوتي ....لا حرمني الله منك يا أمي "

ختمت حديثها ورفعت كف أمها تقبله برفق قبل أن تهتف وهي تتحرك من حضن أمها وتقف

" سأطمئن على وتين وأعود "

ابتسمت شمس وأومأت لتنصرف دانا قاصدة غرفة وتين التي كانت غرفة سارة أختها حبيبتها في الماضي، والآن أصبحت لابنتها..

طرقت برفق على الباب قبل أن تدخل بهدوء وهي تنظر بحنو لتلك النائمة، مدت يدها تسحب الغطاء لتدثرها جيدًا قبل أن تعقد حاجبيها بضيق وهي تنظر لشريط من دواء مهدئ للأعصاب...فوتين أصبحت تلجأ لذلك الدواء لكي تنام لأنها مصابة بالأرق منذ أن أتت...وقد نبهتها عنه عدة مرات...هزتها بخفوت لتفتح وتين عيناها بهدوء فلم تكن استغرقت في النوم بعد، لتهتف دانا بعتاب

"مجددًا...مهدئات مجددًا يا وتين..ألم نتفق أنك لن تتناوليها مرة أخرى"

عادت تغمض عيناها بهدوء وهي تهتف بمهادنة 

" حسنا...أخر مرة "


ضغطت على أسنانها بغيظ وهتفت

" كل مرة تقولين هكذا "

عادت تهتف ببرود وهي مغمضة 

" حسنا"

جلست بجوارها ومدت يدها تداعب خصلات شعرها وهتفت برفق

" مارأيك حبيبتي أن تذهبي لطبيب نفسي...تتحدثي معه وتخبريه بهذا الأرق الذي يضايقك "

بدأ النعاس يتمكن منها فهتفت بتيه وتثاقل

" أنا لست مجنونة....أنا بخير "

ترقرقت عين دانا بالدموع وانحنت تقبلها برفق وهي تغمغم بغصة

" لا....لست بخير"

نهضت بهدوء وتحركت تأخذ شريط الدواء قبل أن تخرج من الغرفة..فمستحيل أن تسمح لوتين بالتعود عليه أبدًا...مستحيل، تنهدت بحرقة وهي تغلق الباب خلفها برفق قبل أن ترفع كفها تمسح دموعها التي انسالت على وضع وتين التي تبني حولها سور من جليد ولكنها لم تفطن أن بداخلها بركان سيجعل الجليد يذوب يومًا ما بالتأكيد، وسيظهر بعدها حريق روحها

*********


" طارق افتقدناك  بُني ...لِما تأخرت هكذا علينا فأبيك غاضب منك كثيرًا " 

ابتسم طارق لزوجة أبيه وهو يجلس على مقعد الصالون بهدوء وهتف يبرر بمجاملة

" كنت مشغول كثيرًا في العمل طوال الأسبوعين الماضيين ولم أتمكن من الزيارة...أعتذر " 

" كنت مشغول كثيرًا لدرجة لم تجد ساعة تزور بها أبيك وتطمئن عليه " 

التفت طارق إلى أبيه الغاضب الذي خرج لتوه من الغرفة، وقف يتحرك يقابله و انحنى يقبل يده و هتف معتذرًا..

" أعتذر أبي حقًا....كنا نعاني من بعض المشكلات في العمل وبعض الضغوطات...ومع ذلك كنت أهاتفك دومًا...أرجوك سامحني، تعلم أنني لم أتقصد هذا الأمر " 

مط مسعد شفتيه و نظر له بطرف عينيه ليجده يرسم بؤسًا طفوليًا على ملامحه يستعطف به أبيه ليبتسم مسعد على حماقة ابنه ويمد يده يمسك أذنه كعادته دومًا معه وهتف 

" حسنا لا تعيدها " 

تذمر طارق وأفلت أذنه من يد أبيه وهتف بحنق 

" أبي متى ستكف عن هذه الحركات ...أقسم لقد كبرت ولم أعد طفل " 

نظر له مسعد بإغاظة وتركه ليجلس على الأريكة بينما أمال تبتسم على الأب وابنه فعلاقتها مع طارق عادية جدًا ولا يتدخلها تعقيدات من أي نوع...هو دومًا يعاملها بإحترام وتحفظ شديد جدًا، وقد أدركت منذ زمن أن طارق  يفضل أن تكون علاقتهم رسمية بعض الشئ وهذا ما شعرته من معاملته معها  بعكس معاملته لإبنتها ليال الذي يعاملها كأنها أخته الصغيرة...استدارت تنظر إلى إبنتها التي خرجت تتسحب على أطراف أصابعها وتشير لأمها ألا تصدر صوتًا وتقترب من طارق الذي ينظر لأبيه ولم يشعر بها...ارتفعت على أطراف أصابعها ورفعت كفها تغطي عيناه وهي صامتة...

جفل طارق ومد كفه يبعد ذلك الكف الصغير الناعم عن عيناه، هل قال صغير وناعم...نعم إنها هي ومن غيرها يتجرأ ويفعل ذلك معه...تلك العنيدة صديقته وأخته التي فرضتها عليه الظروف، وقدمها له القدر كهدية في أحلك أيام حياته

" ليال " 


سحبت كفها عن عيناه وهتفت بغيظ 

" دائما تعرف أنها أنا ....ألن أتمكن من خداعك يومًا " 

قهقه على غيظها وهتف بنبرة سعيدة لرؤيتها أمامه 

" لأن لا أحد يفعل هذه الحركة سواك يا حمقاء " 

ابتسمت على غبائها وهتفت بنبرة حنونة 

" اشتقت لك كثيرًا ....كيف حالك يا وسيم " 

ابتسم على هذه الصفة التي تلقبه بها دومًا وهتف يجاريها 

" من هو الوسيم يا فتاة....ألم تشاهدي نفسك بالمرآه مؤخرًا...ما هذه الفتنة يا فتاة " 

قهقت واقتربت تهمس له 

" حقًا ما تقول....إذن من منا أشد فتنة أنا أم أميرتك المغرورة  " 

أتبعت كلامها تغمز له عندما شاهدته ينظر لها بتحذير جعلها تبتسم له، تحركت تجلس على المقعد وتشير إلى طارق الواقف مكانه ومازالت المفاجأة مسيطرة عليه...

اقترب يجلس على المقعد المجاور لها وهتف 

" متى أتيت " 

تنهدت تبتلع غصة مريرة وهتفت بنبرة حاولت أن تكون عادية لكنها فشلت 

" منذ أسبوع " 

تيقن أن ليال بها شئ وأن عودتها تحمل خلفها سببًا قويًا ...فهو لم يفوته النبرة المريرة التي تحدثت بها ولا ذلك الحزن الساكن بعينيها...ذلك الحزن الذي أتخذ من عينيها مسكنا منذ عامين، منذ فراقها عن ذلك الأحمق! 

لكن اليوم يشعر أن ذلك الحزن قد تجدد أو إزداد حجمه، ترى مالذي حدث لكي غاليتي...

استدار ينظر إلى أبيه الذي تحرك يتحدث في الهاتف بينما زوجة أبيه دخلت إلى المطبخ منذ دقائق لتحضير العشاء...

التفت يواجه ليال وتمعن النظر فيها عله يكتشف ما سبب ذلك البؤس الذي يرتسم على ملامحها  لكنه فشل، ليتنهد وهتف بهدوء 

" كم يومًا ستمكثين هذه المرة "

رفعت أنظارها له وهمست بحزم 

" إلى الأبد...لن أعود مرة أخرى  " 

انتفض طارق من مكانه وهتف بيقين 

" أقسم كنت أعلم " 

نظرت له بإستفهام ليكمل وهو يضع يديه على خصره 

" كنت أعلم أن شئ حدث لك....منذ أن رأيتك وأنا أعلم أنا هناك أمرًا يزعجك وبشدة ....مالذي حدث؟

ففي أخر محادثه بيننا أخبرتيني أنك ستفكري بقبول الخطبة من ابن عمك ....مالذي حدث ليال؟ " 

وضعت يدها على وجهها وبكيت كثيرًا، لم تعد تتحمل كتمان الأمر بداخلها أكثر من ذلك...فهي لو حاولت ادعاء القوة أمام جميع البشر، لكن دائمًا ما تفشل محاولتها أمام طارق صديقها وأخيها الحنون وهدية القدر لها...دائمًا يكتشف ما بداخلها من دون أي حديث...لطالما كانت مكشوفة أمامه وأمام ذلك الغادر الذي حطم قلبها وتركها حطام أنثى لا تصلح لشئ...

حاولت ابعاد ذكراه التي تدفقت بألم في قلبها وعقلها وتشعرها بالاختناق...تحركت تهرول نحو الشرفة علها تحصل على بعض الهواء النقي عله يساعدها على اعادة أنفاسها الهاربة منها...

شعرت بطارق يقف بجوارها صامت ينتظر منها أن تهدأ وتستعيد توازنها، لم تطيل الأمر وهتفت بضعف وهي تنظر أمامها بشرود 

" لقد فشلت يا طارق....فشلت في كل شئ ....لم أتمكن من متابعة حياتي ...لم أقدر على قبول الخطبة ولا البقاء مع عائلة عمي أكثر من ذلك ...فتركت كل شئ وقمت ببيع الأرض ونصيبي من المصنع والبيت لعمي بثمن بخس حتى يكف عن إلحاحة بقبول الخطبة .....تركت له  كل شئ حتى لا يصمم على زواجي من ابنه " 

نظر لها طارق بذهول وهتف بدهشة 

" ولِما كل هذا " 

" لأنني لم أقدر على الارتباط برجل غيره...لن أحب غيره ولن أتحمل أن يلمسني رجل غيره ....سأموت لو وضعت خاتم رجل أخر بإصبعي....ومع ذلك لن أسامحه ماحييت....لقد حطمني يا أخي .....لقد لعنني بعشقه حتى الموت....لقد تركني محطمة، مبعثرة... جسد بدون روح ياأخي " 

أنهت حديثها وانفجرت ببكاء مرير وحزن لم يقل مع مرور الأعوام بل يتضاعف مع مرور الأيام ..

نظر لها بحزن وترقرقت الدموع بعينيه وهتف بنبرة متحشرجة 

" لابد أن تنسي يا غاليتي....أكملي حياتك ولا تنظري إلى الخلف....إنسي كي ترتاحي " 


نظرت له بتوسل وهتفت بحزن 

" أخبرني أخي كيف أنسى...أخبرني الطريقة وأقسم أني سأفعلها كي أحصل على السلام.....فأنا أتمنى النسيان ومتابعة حياتي، أقسم أنني أريد ذلك وبشدة...لكنني لا أقدر...حقًا لا أقدر " 

ربت على كتفها بحزن على حالها وهتف 

" أنا بجوارك وسأساعدك لتخطي هذا الأمر ...أعدك غاليتي " 

أومأت بضعف ورفعت كفها تمسح عينيها من الدموع وهتفت بتردد 

" هل تزوج " 

نظر لها بدهشة سريعًا ما تحولت إلى حنق وهتف بتحذير 

" ليال " 

نظرت له برجاء ضعيف وقد تجددت الدموع بعينيها مره أخرى ليهتف بإستسلام 

" لا " 

عضت على شفتيها ونظرت له بإستعطاف وسألته مجددًا

" هل خطب " 

زفر بغيظ ونظر لها نظرة شريرة لتهتف برجاء 

" أرجوك طارق " 

تنهد بإستسلام وهتف بغيظ 

" لا... لم يخطب....ولم يدخل بأي علاقة عاطفية على حسب معلوماتي " 

تنهدت براحة استفزتة كثيرًا وحاولت الحصول على بعض المعلومات عنه علها تروي جزء صغير من ظمأها لكن طارق فطن لما يدور بخلدها وهتف بحزم يقطع عليها الحديث في هذا الموضوع الذي يسبب لها دومًا الألم

" إياك والسؤال عنه مرة أخرى ...لن أجيبك عن شئ أخر خاص به "


رواية استوطننى عشقك الفصل الرابع عشر 14 من هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية استوطننى عشقك)

تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)

 

روايات شيقة ❤️
روايات شيقة ❤️
تعليقات