رواية جاردينيا (لعنة الحب) الفصل الثالث 3 بقلم ناهد خالد
رواية جاردينيا (لعنة الحب) البارت الثالث 3
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الجزء الثالث 3
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الحلقة الثالثة 3
رواية جاردينيا (لعنة الحب) بقلم ناهد خالد
رواية جاردينيا (لعنة الحب) |
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الفصل الثالث 3
"في كنف العائله"
الفصل الثالث
جاردينيا
"العائلة هي أحد روائع الطبيعة."
(جورج سانتايانا)
حركه مضطربه بالأجواء، والجميع يبدو مشغول بأمر ما، وبين ذاهب وآتٍ، اتجهت هي سريعاً تندفع خارج غرفة الكشف بالعياده، وهي تودع صديقاتها، بصعوبه بالغه استطاعت تجوز كل هذا الكم الهائل من المرضي المترصين أمام الباب بانتظار لأدوارهم، رغم كون الوقت لا يسمح لوقوفهم هنا ولكن الأهم بالنسبه لهم هو عدم ترك دورهم مهما حدث، سارت في طريقها للخروج وهي تستمع لجمل متطايره تلطقتها أذنها أثناء السير، كهتاف أحدهم لزميله بصوت عالِ" متنساش تجيب مخلل مع الفطار"، وآخر يهتف مسرعاً وهو يركض باتجاه الباب "هروح اجيب فطار بسرعه المغرب هيأذن"، ابتسمت بسعاده لتلك الاجواء الرائعه التي تغزو المكان بل البلده بأكملها، استمعت لرنين هاتفها يصدح للمره التي لاتعلم عددها حيث استمر بالرنين أثناء وجودها بالعياده وها هو يُعيد الرنين ثانيةً، أخرجته تطالع شاشته رغم معرفتها السابقه ل هوية المتصل، ضغطت زر الاجابه رافعه الهاتف لأذنها وكانت قد وصلت للسياره الأجرة التي طلبتها عبر أحد المواقع الالكترونيه الخاصه بذلك ، استقلت السياره وهي تجيب باعتذار:
_عارفه إني اتأخرت بس ربع ساعه ان شاء الله وهكون عندكم.
استمعت لصوت والدتها اللائم:
_ينفع كده يا روبين، يعني تتأخري في يوم زي ده، مبقتش عارفه أودي وشي من العيله فين.
ردت بآسف:
_والله غصب عني، علي ما زميلتي جت وسلمت الشغل.
_طيب بسرعه، أجدادك مصممين مش هنفطر غير لما تيجي.
_حاضر مسافه السكه.
هتفت والدتها بشك:
_روبين أنتِ في العربيه فعلاً؟
كعادة جميع المصريين دائماً ما تخبرها بقرب وصولها وهي لاتكن قد برحت من مكانها بعد، تعلم أن والدتها لن تصدقها إن أخبرتها بكونها داخل السياره بالفعل، فهتفت للسائق :
_لو سمحت زمر.
نظر لها السائق في المرآه الأمامية باستغراب يظهر في تعابير وجهه بوضوح، فعادت مقولتها لينفذ لها ما قالت فهتف ل والدتها :
_ها صدقتي.
_ماشي بسرعه يلا.
ردت باستنكار مُتسائل:
_اكيد مش هنزل اسوق أنا؟!
_______________________
جميع أنوار تلك الشقه الواسعه مضيئه، وأصوات صاخبه تأتي من داخلها، تختلط بين صوت الأطفال التي تركض هنا وهناك وتتابعهم صرخات الوالدات طالبين منهم الكف عما يفعلوه، وصوت التلفاز المرتفع قليلاً بصوت أحد الأعلانات التي تسبق الأذان، وأصوات رجاليه متداخله تأتي من مجلس رجال العائله منتظرين الأذان، وبالمطبخ أصوات النساء المتداخله تعم المكان،والذي يضم "شيماء" و"سميره" زوجة "سعد" الإبن الأكبر للعائله والأخ الأكبر ل"نبيل"، و"علياء" زوجة "أحمد" الابن الأصغر للعائله، و"زينب" أخت "شيماء" وزوجها "مصطفي" الأخ التؤام ل "نبيل"..
هتفت "سميره" بصوت عالِ ليصل لمن بالخارج :
_الآذان أذن ولا لسه؟
جائها الرد من الجد الأكبر "محمد" وهو يقول:
_لسه يابنتي وعلي مهلكوا مش هنفطر غير لما الدكتوره تيجي.
اتجهت "شيماء" للموقد تخرج صينية "المعكرونه بالباشميل" بعد إنتهائها وهي تقول:
_المكرونه خلصت، شامين الريحه؟
ردت "علياء" بحقد :
-لا مش شامين.. بعدين دي اتحرقت من النص.
ردت عليها "زينب" بغيظ :
_مش محروقه ولا حاجه، بعدين دي شيماء أحسن واحده تعمل مكرونه بالباشميل.
قالت "سميره" بابتسامة :
_شيماء أحسن واحده تعمل أي أكله... دي أستاذة في الطبخ.
ابتسمت لها "شيماء" بامتنان وقالت:
_مش للدرجادي ياسميره، أنا بعمل الأكل زي ما أي حد بيعمله.
قالت "سميره" :
_لأ، محدش بيعمل الأكل زي ما أنتي بتعمليه، كفايه الحب اللي بتعملي بيه الأكل.
_هه! ، واحنا هناكل حب مع الأكل ولا أي!؟
كانت تلك الجمله التي خرجت من فاه "علياء "سبقها صوت ساخره صدر من حنجرتها، لتنظر لها "شيماء" قليلاً بصمت، تعلم أن "علياء" لا تحبها أبداً رغم جهلها للسبب، ولكن كرهها يطفو علي ملامحها بوضوح، لم تقدر حتي على التلون ومداراة مشاعرها البغيضه، وذلك الحقد الذي يقفز من مقلتيها، رغم قلة المرات التي يتقابلا فيها إلا أنها كافيه لإكتشاف كرهها لها، استمعت لصوت "سميره" تهتف بتجاهل لجملة" علياء" :
_روحت من يومين أنا وسعد اشترينا لبس العيد للولاد، بس أي اللبس غالي أوي.
ردت "زينب" هي الأخري وكأنهما أرادا إخبار تلك ال"علياء" بصمت أن حديثها ليس له أهميه وكأنها لم تقل شيئاً:
_اسكتي ياسميره ده أنا جايبه تيشرت ل محمد ابني ب٢٥٠ جنيه لوحده.
انشغلوا بالاحاديث بأمور عده تخص ترتيبات عيد الأضحى، حتي وصل الغيظ أقصاه عند تلك التي تتابعهما بغيظ وحقد فقررت الانسحاب، وبالفعل خرجت تاركه إياهن وصدرها يشتعل بنيران الحقد والغل، هتفت "سميره" بمجرد ذهابها:
_سيبك منها يا شيماء، هي نارها واكلاها، مش أول مره هتعرفي علياء علي أي!
ردت بحزن:
_مش عارفه هي لي بتكرهني، بس أنا قلقانه روبين جايه وأنتِ عارفه لما بيتقابلوا بيفضلوا يضربوا في بعض بالكلام خايفه الليله تقلب غم.
ردت "زينب" بهدوء:
_لأ، روبين عاقله، هي بتحرق دمها لكن بالأدب، ومبتعطيهاش فرصه تبوظ القاعده.
قالت "سميره" بضيق:
_بصراحه أنا مكنتش حابه تكون موجوده في يوم واقفه زي ده وبكره العيد، مش ناقصين كلامها الدبش اللي بترميه ده ومش مراعيه أننا في عيد.
ابتسمت "زينب" بحماس هاتفه:
_هنشوفها زي الفار المبلول لما روبين تيجي.
___________________
صرخه سعيده خرجت منه وهو يردد بفرح:
_كسبت يامعلم، ايدك علي العيديه اللي أبويا وجدادي ادوهالك.
نظر له الصغير الذي لم يتجاوز التاسعه بضيق وقال:
_لا، احنا متفقناش علي كده.
ارتف جانب فمه باستهزاء وقال :
_يابني انا كسبان يعني لو عاوز اقلعك هدومك هعملها، بس حفاظاً علي كرامتك هاخد منك العيديات.
وقف الصغير منتفضاً بغضب:
_أنت عاوز تاخد ال ١٠٠ جنيه اللي معايا؟!
نهض "عبد الرحمن" من فوق تلك الوسائد التي وضعوها أمام شاشة" البلاستيشن " وقال بخبث:
_ياعبيط هتعطيني ال١٠٠ جنيه وأنا هعطيك عديتك وروبين لما تيجي هتعطيك، يأما مش هعطيك حاجه عشان أنت مش قد اللعب يبقي متلعبش يا... ياعيل.
عقد حاجبيه بغضب وقال بعدائيه:
_أنا مش عيل.. بطل تقولي كده.. أنا راجل.
نظر له بجانب عينيه وكأنه يستحقره وقال بسخريه مبطنه بتهكم:
_مش باين!
أخرج الصغير سريعاً النقود وقد حفزه حديث ابن عمه الكبير، وقال :
_خد العيديه اهي، بس أنا مش عيل...
التقطها منه ودسها بجيب بنطاله وهتف وهو يبعثر شعر الصغير بيده :
_طبعا ً مش عيل مادام قبلت الخساره.
أخرج عمله نقديه من جيبه ومدها له قائلاً :
_وأنا قد كلامي.. أمسك عيديتك.
أخذ الصغير النقود يقلبها في يده يميناً ويساراً بتهكم ودهشه معاً، وهتف بصدمه :
-خمسه جنيه؟! دي عيديتي؟!
أومأ برأسه وهو يتجه للخارج هاتفاً :
_علي قد سنك يا صغير.
فتح الصغير عينيه بدهشه وهو يتطلع ل أثره لا يصدق ما فعله به ذلك المحتال، بعدما حمسه بحديثه وأوهمه بإعطاءه النقود له، ل يتركه يقف مبهوتاً يقلب الورقه النقديه يميناً ويساراً بتحسر.
______________
صدح صوت الآذان بالتلفاز و بالمساجد القريبه من المنزل، ليردد الجميع خلفه، وأسرعت السيدات بجلب العصائر، أخذ الجميع كوب العصير والتمر وبدأوا بتروية حلوقهم بعدما انتهت مدة الصيام، وقف الجد الأكبر "محمد" والد "نبيل" وهو يهتف :
_عن اذنكم هدخل اتوضي وكل واحد يجهز نفسه عشان يتوضي بعدي ونصلي جماعه.
أومأ الجميع بالموافقه، اقترب "عبد الرحمن" من جده الآخر " متولي" والد أمه وأخ "محمد" الأصغر، جلس بجواره وهتف بمكر:
_جدي محمد دماغه صعبه أوي، لما يصمم علي حاجه بيعملها.
قطب الجد حاجبيه باستغراب وردد بتساؤل:
_لي عمل أي؟
تنهد بهدوء ونظر له قائلاً بصدق زائف:
_أبداً.. قال اي بيعطيني عيديه.. بقول له ياجدي أنا مش صغير... قالي أنت هتكبر عليا!.. حتى لو اتجوزت وخلفت هعطيك وهعطي عيالك... احاول معاه يمين في شمال أبدا ً رأسه وألف سيف أني أخد العيديه.. اضطريت في الأخر أخدها.
حرك رأسه في الأخيرة بمسكنه، وكأنه غُلب علي أمره ونظر أمامه يتابع لعب أولا أعمامه الصغار، ولكن بالحقيقه عيناه تتابع ردود أفعال جده الجالس بجواره، رأي ارتباكه وحرجه من الموقف، ومن ثم دس يده في جيب جلبابه الأبيض وأخرج عمله ورقيه وهتف:
_جدك معاه حق، أمسك عيديتك اهي.
قالها وهو يمسك بكف "عبد الرحمن" يضع المال بها، ليتملص منه الأخير وهو يردد بانزعاج زائف:
_ياجدي هو أنا بقولك كده عشان تعمل زيه!
حمحم الجد بحرج وقال:
_أنا مبعملش زيه، أنا أصلاً كنت هعطيك العيديه.
تمنع واعترض... وبالأخير رضخ لرغبة جده والتي بالأساس رغبته هو!
قام الجد من جواره ليتوضئ حينما أتي دوره بعد أخيه الأكبر، وجاء "محمد" ليحل محله بجوار ذلك الماكر، الذي أوقع الورقه التابعه لفئة المئتي جنيهاً متعمداً أمام قدم جده متصنعاً رغبته في وضعها بجيب چاكيته، هتف الجد حينما لاحظ سقوطها:
_عبده الرحمن الفلوس وقعت منك يابني..
دهشه مصطنعه ارتسمت علي محياه بإتقان وهتف وهو ينحي ليلتقطها:
_مخدتش بالي.. أصل جدي لسه مديهالي عيديه وقلت أحطها في جيبي لأحسن تقع.
تابع صمت الجد قليلاً وهو يعلم جيداً بما يفكر قبل أن ينطق مُتسائلاً:
_جدك متولي عطهالك عيديه؟
أومئ برأسه بتنهيده مستسلمه:
_حاولت مخدهاش لكنه صمم... اقوله ياجدي أنا كبرت.. يقولي كبرت عليا؟!... اقوله ياجدي معايا مرتبي.. يقولي دي عيديه ملهاش علاقه بمرتبك.. اضطريت أخدها.
ابتسم الأخير بتوتر طفيف وهتف بمرح:
_يعني متولي سبقني في العيديات... ملحوقه بقي.. أمسك.
قالها وهو يدس بيده تلك الورقه التي أخرجها من جيب جلبابه الرمادي، ليهتف "عبد الرحمن" بملامح مجعده :
_لالا ياجدي أنت بتعمل أي هو أنا صغير للعيديات!
قال الجد بحده :
_امسك يا واد أنت هترد ايد جدك!
أخذها بتنهيده هازاً رأسه باستسلام، ولقي نظره سريعه لها يتفحص مقدارها فوجد ورقتان إحداهما بفئه المئتين جنيهاً والأخرى بفئة المئة جنيهاً، ابتسم ابتسامة جانبيه ماكره، كان يعلم أن جده سيزيد المبلغ ما إن يري ما أعطاه له جده الأصغر لذا تعمد إسقاطها أمامه وبالفعل ها هو قد فعل.
___________________
ركضت بعدما توقف المصعد تضغط علي زر الجرس بلهفه، سريعاً ما فُتح الباب، لتدلف للداخل بخطي سريعه نسبياً هاتفه باعتذار وهي تقف أمام أعمامها ووالدها وأجدادها :
_أنا أسفه علي التأخير بس علي ماسلمت شغلي.
قال "محمد" ببشاشه:
_تعالي في حضني وسيبك من جو الاعتذارات ده.
ابتسمت باشتياق واتجهت ترتمي بأحضانه تستشعر الأمان والأحتواء وهكذا فعلت مع جدها الآخر وأعمامها، حتى هتف "متولي" :
_يلا روحي بلي ريقك، واتوضي مع الحريم عشان نصلي المغرب جماعه.
أومأت بهدوء وابتسامة سعيده تزين ثغرها رغم إرهقاها، وبالفعل اتجهت للنصف الاخر من الشقه فوجدت الجميع يقف هناك عدا "علياء" فظنت عدم قدومها، ولم تعطي للموضوع أهميه، وبدأت تجرح صيامها بعدما حيت الجميع، ثوانِ وتوقفت عن شرب العصير والتوي ثغرها بضيق وحنق حينما طلت "علياء" من خلف باب المرحاض بعدما فُتح، تأفأفت الأخيرة بضيق وحقد ما إن وقع بصرها علي "روبين" التي اتجهت للمرحاض لتتوضأ، فهتفت "علياء" بتهكم:
_أي ياروبين هو أنا كنت بايته في حضنك! ، مفيش ازيك يا علياء ولا كأنك شيفاني!؟
توقفت "روبين" تلتفت نصف التفاته قبل أن تهتف بتحفز:
_لا في دي معاكِ حق، ازيك يا مرات عمي.
اتكأت علي حروف كلمتها الأخيرة، تعلم كم تكره "علياء" منادتها بهذا اللقب، ففارق السن بينهما لا يتجاوز العام، فتعمدت "روبين" منادتها بتلك الكنيه لتُثير غيظها وقد نجحت حينما ضغطت الأخيرة علي أسنانها بغيظ وقالت:
_مش قلتلك ميت مره بلاش مرات عمي دي! متحسسنيش أني أكبر منك ب ١٠ سنين!
ابتسمت بسماجه قائله :
_عيب يامرات عمي، المقامات محفوظه.
أنهت حديثها واتجهت للمرحاض مغلقه الباب في وجه من تشتعل غيطاً أثر حديثها..
ابتسمن بخفوت وشماته لرؤيتهم وجه غريمتهن يشتعل من الغيظ، وقد تركت الساحة بعدما دبدبت بقدمها أرضاً بغضب واضح.
قالت "زينب" بضحك:
_مش قلتلكم روبين هتظبطها.
______________________
"الله أكبر"
قالها الجد الأكبر "محمد" مكبراً بعدما وقف يأمهم في الصلاه، وخلفه اصتف الرجال بتساوٍ، وخلفهم اصتف النساء بتساوٍ أيضاً، حتي الأطفال وقفوا متراصين جوار بعضهما بين الرجال والنساء مستحضرين الهدوء والخضوع للمولي عز وجل، في مظهر رائع ركع الجميع معاً واستقاموا معاً، ولا صوت يعلو فوق صوت الجد الذي يأمهم ويليه صوت الجميع مأمناً ورائه، انتهوا من الصلاه لتهرول النساء للمطبخ لتعد الطعام وترصه فوق مائده الطعام التي تحمل أكثر من عشرون فرداً، رُصت الأطباق في ترتيب ومظهر يفتح الشهيه، وامتلأت المقاعد بالأفراد عدي ثلاث مقاعد بقوا فارغين، وبدأ الجميع بتناول الطعام في وسط بعض الأحاديث الخافته، حتي هتفت "روبين" وهو تهمهم بلذه :
_همم، المكرونه دي مش غريبه عليا، دي مكرونة ماما صح؟!
ردت "سميره" بابتسامة :
_وهو في حد غيرها يعرف يعمل مكرونه بالطعامه دي؟!.
نظرت لهم "علياء" بغيظ محاولة التحكم بمشاعرها الكريهه، وهتفت بهدوء مصطنع:
_المكرونه حلوه فعلاً، بس يعني عادي أي حد يعملها.
وجهت "روبين" أنظارها المفترسة إليها، كانت تعلم أنها لن تصمت وستقحم نفسها بالحديث، أردفت بهدوء بارد:
_زيك مثلاً ياطنط..
نطرت لها الأخيرة بنظرات مشتعله إثر نعتها ب "طنط" وقالت بغل لم تستطع السيطره عليه بعد كلمتها :
_لا بتاعتي أحلي.. أنا شايفه أنها ناقصها حاجات كتير ومحروقه وأنكم بتجاملوا مش أكتر.
نظرت "روبين" لوالدتها لتجد أعينها قد أدمعت حرجاً وحزناً، تعلم كم تصنع والدتها الطعام بحب وحماس، وتريد سمع المزيد والمزيد من الاطراءات حينما تقدمه، لا أن تسمع أحدهم يعيب به فتشعر وكأن كل ما فعلته ضاع هباءً، ف المرأة في العموم إن فعلت شئ بحب.. تجرحها أقل كلمه سيئه قد تُقال علي مافعلته أو أي تقليل لما فعلت، كالطفل الذي رسم رسمة تحمس لها كثيراً وبعدما أنهاها وجدها جيده فركض لأمه يريها لها.. حينها يكن لا يريد سوي الإطراء علي رسمته وأن تخبره أمه كم هي جميله، حتي وإن كانت ليست كذلك.
ضغطت علي يدها تحاول تهدأت نفسها بعدما وجدت الحزن يزحف محتلاً ملامح وجه والدتها، تنهدت بعمق ك حل آخر للتهدئه وهتفت :
_والله ياطنط، مش أي حد يعرف في الأكل، ميعرفش فيه غير الذويق، ومش كل الناس ذويقه في ناس بتاكل وخلاص زي ال....، مش ضروري أفسر طبعاً أكيد حضرتك فاهمه، وبالنسبه ل أنه محروق... واضح أن نظر حضرتك بدأ يشوش!، ابقي تعاليلي المستشفي في يوم وأنا أخدك عيادة النظر نطمنا عليكِ.
وقفت من جلستها تجذب الطبق الذي وضعت به قطعة ال"معكرونه" من أمامها.. حيث كانت تجلس مقابلها.. وقالت بابتسامه صفراء:
_هاتيها شكلك بتكليها مغصوبه عشان متحرجيش ماما.. بس أنتِ مش مجبره طبعا ً الأكل أذواق.
انفجر "عبد الرحمن" ضاحكاً فنظر له الجميع ليهتف باعتذار محاولاً التحكم بضحكته:
_سوري يا جماعه.. افتكرت حاجه ضحكتني.
انتهوا من الطعام وجلسوا جميعاً يتسامرون، أخرج الجد "محمد" المال وهتف ل "روبين" :
_تعالي ياروبين قربي.
وقفت تتجه له، فأمسك يدها يضع بها المال، قطبت حاجبيها بتساؤل قائله:
_اي ده ياجدي؟
ابتسم بحبور مجيباً:
_دي العيديه ياروح جدك، ومن قبل ماتتكلمي مش عاوز نقاش.
هزت رأسها بهدوء قائله :
_ايوه ياجدي بس أنا مش صغيره.
أمسك وجنتها بيده وهو يقرصها برفق قائلاً :
_مش هتكبري علي جدك.. متقوليش زي ماقال عبد الرحمن لجدك متولي.
نظر ل "متولي" قائلاً بمرح :
_سبقتني في عيدية عبد الرحمن بس أنا سبقتك في عيدية روبين.
عقد "متولي" حاجبيه بعدم فهم وقال:
_سبقت....
قاطعه "عبد الرحمن" سريعاً وقال ل "روبين" :
_خدي ياروبين من جدو متعذبهوش بقي.
ضيقت عيناها وهي تطالعه بشك، فهذا أخيها هي الأكثر درايه به وبأفعاله، أخذت المال وقبلت يد جدها تعايده مره أخرى وفعلت المثل مع جدها "متولي"، وعادت تجلس محلها، حتي فاجئتها "علياء" بسؤالها وهي تقول:
_قوليلي ياروبين مش ناويه تفرحينا بيكِ بقي؟!
تغيرت معالم وجهها وكذلك الجميع، وحدجها زوجها بنظرات ناريه وهو يهتف بغضب:
_أنتِ مالك ياعلياء تتجوز ولا متتجوزش! خليكِ في حالك وبلاش كلام دبش زيك.
نظرت لزوجها بضيق وحرج مما قاله والتزمت الصمت، حتي هتفت "روبين" بقوه وشموخ:
_أنتِ عارفه إن أنا اللي برفض، وقافله الباب ده نهائي بس لو قررت افتحه من الصبح هلاقي بدل العريس ألف، بس أنا مش هظلم حد معايا، ولا هقبل علي كرامتي أن أجيب راجل بيتي وأعرض عليه نفسي وأحكيله ظروفي وفي الاخر يرفضني.. هو حقه... بس أنا مش هقبل ده ليا... مش كل حاجه في الدنيا جواز.. مش كل أهداف الستات تتجوز وتخلف وتقعد تربي في العيال... في أهداف تانيه ممكن نسعي لها... زي أني أنجح في شغلي وأبقى من أحسن الدكاتره في مصر.. مش عشان أبقي معروفه ويتقال عليا شطره.. لا عشان أبقي السبب في شفاء ناس أكتر بمراحل من اللي بيجولي المستشفي... من ضمن أهدافي إني أقدر اتبرع لجمعيات أكتر وأكتر.. أني أقادر أساعد ناس أكتر وأبقي الايد اللي ربنا باعتهالهم تطبطب عليهم وتطيب خاطرهم... أنا بعتبر دي رسالتي في الدنيا وبعتبر نفسي اتخلقت عشان أأديها وبس لحد ما ربنا يسترد أمانته...
صمتت تبتلع ريقها بصعوبه ومن ثم هتفت :
_عن اذنكم هقف في البلكونه شوية.
انسحبت من بينهم بعدما شعرت بعدم استطاعتها التحكم بنفسها أكثر، وما إن ذهبت، حتي انطلق الجميع يتسابقون في إلقاء اللوم علي تلك المرأه سليطة اللسان ومن بينهم انسحب "عبد الرحمن" بوجه متهجم يلحق ب أخته.
وقفت أمام سور الشرفه تنظر للسواد الذي غطي علي الكره الأرضية يتخلله أضواء المباني، هنا بالطابق التاسع تقف بشرود وعيناها بالفراغ ليست ناظره للحركة بالأسفل أو مهتمه بالضوضاء المنبعثه من أبواق السيارات ولا أصوات الماره المرتفعه التي تصل لها وكأنها بالطابق الثالث!، تتجمع الدموع بمقلتيها ببطئ يدل علي عدم رغبتها بها، تتمسك بحافة السور وهي تنظر لأقصى نقطه يصل لها بصرها، ارتجف بدنها مع إعادة حديث زوجة عمها المصون علي أذنها، رغم تبادل الحرب بينهم وحرص كل واحده منهما علي إزعاج الأخري ، ولكنها لم تكن عادله حينما استخدمت أكثر الأسلحة سُميه وطعنتها به بلا رحمة منها، ضغطت علي شفتيها بعنف تمنع شهقه كادت تُفلت منها، رفعت رأسها للأعلي محاولة منها لاستنشاق أكبر قدر من الهواء، ارتجف فكها حينما اصطدمت به رياح قويه، تمتمت بخفوت تام ("يارب")، تستدعي القوه الإلهية لدعمها فلا قوه تفوق قوته، تستجديه بصمت أن يثلج قلبها، ويطيب خاطرها، تستجديه ليمدها بالقوه التي تجعلها صامدة أمام قدرها المكتوب، شعرت بيد تحتضن كتفيها وتجذبها لصدره ومن دون الالتفات عرفت هوية صاحبها، تمتمت بقهر خفي ولكن ظهرت بوادره في حديثها رغم محاولتها لإظهار القوه :
_مش ذنبي إن ربنا حب يختبرني بالطريقه دي، أنا أكتر منها نفسي أفرح... أكيد أنا زي زي أي بنت.. كانت بتحلم أنها في يوم تلبس الفستان الأبيض وتتزف وسط فرحة أهلها وصحابها... بس...
صمتت بعجز غير قادره علي الاكمال، تبتلع ريقها بصعوبه وكأن حجر ما وضع بداخله ليسده، ورجفة عنيفه أصابت جسدها، فضمها له أكثر، هذا الذي امتلأت مقلتيه بالدموع حتي ظهرت شعيرات عينيه الدمويه من كثرة محاولته لحبس دموعه، شدد من احتضانها وهو يمسد فوق كتفها بمواساة؟!... لا يمسد فوق كتفها بتدعيم ومسانده... ابتلع ريقه ليظهر صوته طبيعي قدر المُستطاع وهتف بصوت دافئ يملأه الحنان :
_أنتِ ست البنات.. وده حقيقي مش بجاملك ولا بواسيكِ.. لو مش عارفه قيمتك الحقيقه تبقي مصيبه.. أنتِ مفيش حد زيك ياروبين.. مفيش حد متسامح وعنده الرضا النفسي رغم كل اللي حصله زيك.. أنتِ قويه....أنا لو مكانك مكنتش هبقي قوي زيك... أنتِ أجمل بنت وأجدع أخت وأحسن بنت في الدنيا... وواثق إن ربنا شايلك مكافأة صبرك ورضاكِ... ومتقوليش تاني أنك اتحرمتي من فرحة أي بنت زيك.. فرحتك متشاله ياعبيطه وهتجيلك في وقتها.
رفعت رأسها له تنظر بداخل عيناه تبحث عن صدقها وكأنها تثبت لنفسها صدق ما قاله، هز رأسه لها بتأكيد، انفجرت ببكاء لم تستطع حبسه أكثر وهي ترتمي بأحضانه تكتم شهقاتها بصدره ليسمح هو الآخر لدموعه بالنزول حزناً علي شقيقته تلك القطعه الراسخه في قلبه تحتل مكاناً ليس لسواها، تمتمت من بين شهاقتها بتقطع :
_أنا متأكده.. أن ربنا... هيجازيني.. حتي.. حتي لو مش في الجواز.. بس.. هيطيب خاطري بفرحه تنسيني وجعي... أصل.. أنا مش وحشة عشان ربنا يعاقبني.. أنا مش وحشه يا عبده صح... أنا مش وحشه...
ظلت تكررها وكأنها تأكد لنفسها أن فرج الله قريب، وأن ما تعانيه ليس عقاب أو غضب من الرب، بل اختبار ستحصل علي جائزة اجتيازها له قريبا ً، حتي وإن كان ا بعيداً... ستنتظر فليس بيدها سوي الانتظار.
بعد دقائق ابتعدت عنه تنظر أمامها ثانية ً وهي تمسح دموعها بظهر يدها لتستمع لصوته المرح يهتف:
_وصلة النكد خلصت الحمد لله؟
نظرت له بجانب عينيها تزجره بضيق، ليبتسم باتساع وهو يرفع يده لتحتضن رقبتها جاذباً رأسها ناحيته، استمع لها تردد باستغراب وهي تنظر للقمر أمامها :
_أي ده القمر مُكتمل!
نظر لما تنظر له لتتسع عيناه بذهول دلفا للداخل سريعاً لتهتف "روبين" ومازال الاستغراب يحتل معالمها:
_ياجماعه هو مش المفروض القمر دلوقتي يبقي هلال؟!
أومئ الجميع بتأكيد، عدا اثنان تصنم جسدهما خشيةً من الآتي، هتف "عبد الرحمن" باستغراب :
_القمر بيقرب علي الاكتمال، يبقي مش بكره العيد ولا أي؟!
ارتجف جسد "شيماء" وأجفلت وهي تنظر لزوجها الذي أغمض عيناه بحزن يتغلغل بثناياه، نظرت لوالدها الذي علي دراية كامله بالقصه والتي عاشاها مع زوجته "والدتها" الراحله، وتمتمت له بخفوت :
_القمر اكتمل في غير ميعاده.
كانت جملتها ذو مغزى، وربما جمله غامضه للجميع، ولكن ليس له فهو قد فهمها علي الفور، فالتف ل"روبين وعبد الرحمن" يطالعهما بقلق، ومعالم وجه حزينه متوتره، ولكن استفاق سريعاً يهتف ل "نبيل" بحده :
_روح يانبيل أنت وولادك عشان تلحقوا تيجوا الصبح بدري.
كانوا يعلمون مغزي حديثه جيداً، فأومئ الأخير موافقاً وهو يقف ليهتف "محمد" باستنكار :
_يمشوا أي؟ احنا قولنا هنسهر الليله سوا، ثم هو أنت بتطردهم؟
نظر ل "نبيل" بقوه ليهتف بصوت حاول التحكم في رجفته:
_معلش يابابا عشان روبين ترتاح هي لسه راجعه من الشغل.
حاول إلصاق السبب في حديث "علياء"، وأنه لا يريد أي مواجهة بينهم، وبالفعل هكذا اعتقد "محمد" فسمح لهم بالذهاب.
ودعوا الجميع وهبطوا للأسفل وحينما وصلوا لسيارة" نبيل" أصرت "شيماء" علي الجلوس بالخلف بينهما، فأصبحت بالمنتصف بينهما، ورغم استغرابهما لما يحدث ولكنهما خضعا لرغبة والدتهما التي احتضنت جسديهما بخوف وكأنها تخشي فقدانهم.. وهي بالفعل علي شفا حفره من ذلك.
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الفصل الرابع 4 من هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية جاردينيا (لعنة الحب))
تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)