رواية جاردينيا (لعنة الحب) الفصل السابع 7 بقلم ناهد خالد
رواية جاردينيا (لعنة الحب) البارت السابع 7
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الجزء السابع 7
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الحلقة السابعة 7
رواية جاردينيا (لعنة الحب) بقلم ناهد خالد
رواية جاردينيا (لعنة الحب) |
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الفصل السابع 7
"سجن جاردينيا"
الفصل السابع
جاردينيا (لعنة الحب)
ناهد خالد
"أصعب ما في الشئ بدايته"
دلفت للداخل بخُطي بطيئه بعدما قابلها أحد الجنود وأخذها من أمام البوابة وكانت لحظة توديع أخيها من أصعب اللحظات علي نفسها ليس فقط لأنها ستفارقه وهي لم تعتاد علي هذا.. ولكن وجودهما في مكان غريب وعالم جديد عليهما مازالا يكتشفاه سوياً صعب الأمر أكثر.. مُنذ وطئت قدماهما أرض هذه البلده ولم يتخيل أحدهما أن يأتي الوقت الذي سيضطرون فيه للمفارقه والابتعاد عن بعضهما.. ولكن هذا هو القدر دائماً ما يقودنا لما لم نظن يوماً أن نفعله.. شردت أثناء سيرها في تفقد مظاهر المبني من حولها.. حقا ً كان مُثير للإنبهار.. جدران عتيقه قويه بُني حولها السور المُحيط بالمبني الرئيسي ، تتوسطه تلك البوابه الضخمه التي دلفت منها، وساحه واسعه تفصل بين المبني والباب الخارجي احتوت علي أشياء عده ك الأحصنه المتراصه بجوار بعضها في أحد الجوانب، والعربات الخشبيه الواقفه في الجانب الآخر، وبئر ماء عميق في المنتصف فوق حافته دلو برباط عريض رُبط في خشبه ثابته لسهولة استخراج المياه، وصلت لباب الدخول فدلفت تتبع الجندي، وجدت العديد من الغُرف التي دُون عليها أسماء ممُتلكيها ك "رئيس السجن" و " مسئول الترحيلات" وغيرها...، وصل بها الجندي لآخر ذلك الممر لتجد باب خشبي عتيق وضخم مُغلق بعدة وسائل، فتحها الجندي واحده تلو الأخري وأصواتها تُثير القلق والخوف من القادم في نفس طبيبتنا، ما إن فتحه حتي ظهر سُلم طويل لم يظهر سوي أول درجاته، هتف الجندي بصوت أجش:
_هيا أيتها الطبيبه....لا تقلقي غرفتك ليست بالأسفل ولكن يجب المرور علي المرضي فهم كثره ومريضون منذ أيام عده.
أومأت بصمت فمد يده يجلب تلك الشعله الموجوده بجوار الباب، وأنار بها الدرج فظهر طوله بوضوح أكثر.. ابتلعت ريقها بتوتر وخوف ولكن همست لنفسها بأن هذا ليس سوي أول الطريق وهنا بالطبع ستجد الكثير من الصعاب لذا عليها التشجع كي تستطيع الاستمرار، وضعت قدمها بحرص تنزل بتوتر لم تستطع التخلص منه، حتي وصلت لآخره فالتقطت أنفاسها براحه نسبيه، نظرت للأعلي لتجد نفسها قد نزلت ما يقارب العشرين درجه ، انتفضت علي صوت الجندي يُردد:
_اتبعيني.
سارت خلفه بهدوء، لتجعد أنفها مع اشتمام رائحه كريهه تسللت لها، وصوت آنين خافت يصل لها.. لا ليس أنين واحد بل العديد!..وقفت خلف الجندي حينما وقف أمام أحد الزنزانات ف الممر كان مُمتلئ بالعديد من الزنزانات المتجاوره والمتقابله ولم تلتقط عيناها آخرهم، نظرت من الحديد المُحيط بالزنزانه لتري ما جعلها تشهق بصدمه وهي تجد العديد من المساجين يظهر عليهم آثار التعذيب بوضوح.. ما بين جرحي الرأس والظهر والذراع والقدم وهناك من لا يستطع فتح عينيه من شدة الورم بها، وهناك من يظهر الأعياء علي وجهه بوضوح من إصفرار حاد للونه وعيناه الزائغه وجسده المُتراخي، هتفت بفزع للجندي:
_ماهذا! ماذا حدث لهم؟!
تأفف الجندي بضيق مُجيباً:
_ أنتِ هنا طبيبه دورك أن تعالجيهم وليس أن تسألي عن ما لا يعنيكِ.. وهذا لصالحك ليس إلا.
كان تهديد مُستتر ولكنه واضح بالوقت ذاته فابتلعت ريقها بتوتر وأومأت بصمت، دلفت للزنزانه كي تبدأ في مداوتهم وقلبها يتألم من أجلهم.. هي طبيبه ورأت الكثير من المصابين بإصابات أبشع من هذه، ولكن عالأقل الآخرين لم يتعرضوا لهذا العنف والتعذيب، كانت إصابتهم ناتجه عن حوادث أو ما شابه، وليس من فعل البشر، وما يألمها أكثر ما قاله الجندي قبل أن يُغلق الزنزانه ويذهب حينما قال" أنهي عملك سريعاً فلديهم أعمال يقومون بها"، وحينما أرادات التحدث زجرها بنظره مُحذره وذهب، أي أعمال يقومون بها في هذه الحاله!؟ ... كل شخص منهم يحتاج لأيام من الراحه التامه!، وما آثار حفيظتها أيضاً هو ترك الجندي لها معهم دون أن يخشي عليها مما يمكن لهؤلاء السجناء فعله بها! أليس حمايتها من مسؤليتهم!.
_لن يهتموا لحياتك... ولن يحرصوا علي حمايتك.. فالطبيب السابق قد مات من ضربه عنيفه تلقاها علي رأسه من أحد السجناء.
التفتت لتجد رجل يظهر عليه كِبر السن بوضوح وقد كان من رأته حينما دلفت يظهر عليه الاعياء بشده، تمتمت بتساؤل وعقل شارد في حياتها في هذا المكان:
_كيف!؟
_هناك الكثير من قوانين سجن جاردينيا ستستغربينها وآخري لن تفهميها مهما حاولتِ، لذا... لا تشغلي بالك.. فقط أدي عملك كي لا يطولك آذاهم.
نظرت له وعقلها يرفض التوقف عن الأسئله:
_هل هناك أعمال ستقومون بها بعد مداوتكم؟
رد بسخريه :
_لا سيداوونا لنخلد للنوم بعدها..
تغاضت عن سخريته وأردفت :
_ما طبيعة العمل؟
_أُفضل أن تري بنفسك.
رد بها بتهكم واضح وكأنه يخبرها أن عقلها لن يستوعب طبيعة عملهم إن شرح لها.. وأكمل :
_أتيتِ لجاردينا حديثاً.. صحيح؟
جعدت حاجبيها بتساؤل صامت فأكمل موضحاً:
_الختم يوضح الأمر.. فيبدو أنه حديث.
وضعت يدها علي عنقها تلقائيا ً تتحسس محل الختم، ومن ثم نفضت رأسها من كل هذه التساؤلات واتجهت لهم واحداً تلو الآخر تحاول مداوتهم بأقصى استطاعتها.
____________________
جلس أمام المنزل رافضاً الدلوف للداخل.. يشعر بالاختناق وكأن جاردينيا بأكملها أصبحت فجأه لا تسِعه.. ولأول مره منذ أت لهنا يكره وجوده في هذا المكان.. بأول الأمر أحب فكرة المغامره وتقبل الواقع أيضاً، ولكن حينها كانت أخته معه فماذا سيشغل باله أو يزعجه!، ولكن الآن بعدما افترقا حقاً لا يطيق البقاء هكذا.. يتمني لو يُغمض عيناه ويفتحهما ليجد نفسه بغرفته وأخته بغرفتها المجاوره له ويكن كل هذا ما هو إلا حلم سخيف... وعلي غرار ليس كل ما يتمناه المرئ يدركه.. فلن يحدث هذا.. حتي وإن أغمض عيناه وفتحها مئة مره لن يتغير شئ.. شعر بيد توضع فوق كتفه فالتف نصف التفاته ينظر لمن وراءه فوقعت عيناه علي "شمس" الواقفه خلفه تنظر له بتمعن.. زفر بضيق مُعيداً رأسه كما كان وقال :
_لستُ بمذاج جيد للشجار.. لذا من الأفضل أن تبتعدي عني الآن.
قضمت شفتيها بحرج فهي لم تكن تنتوي اختلاق أي مشاحنات فقط أرادت التخفيف عنه.. تعلم جيداً هذا الشعور الذي يمر به الآن فهي قد عاشته من قبل... اقتربت حتي وقفت جواره وهتفت بخفوت:
_ظننتُ أنك بحاجه للحديث مع أحدهم عله يُخفف من شعورك ولو قليلاً .. فأنا أتفهم ما تشعر به الآن.. اعتذر إن أزعجتك.
قالتها واستدارت لتعود للداخل، ولكن توقفت حينما هتف "عبد الرحمن" بهدوء:
_اعتذر.. ظننت أنكِ قد أتيت لاختلاق المشاكل ك عادتك.. يمكنكِ البقاء إن شئتِ.
ابتسمت بهدوء وهي تعود للجلوس بجواره ثانيةً وقالت :
_لمَ كل هذا الحزن؟! أخبرتك أن أطباء السجون يحصلون علي عطله كل عشرة أيام لرؤية ذويهم.
تنهد بهدوء قائلاً :
_ليس الأمر كما تظنين.. لم أعتاد علي الانفصال عنها ولو يوم واحد فكيف لي أن أتركها لعشرة أيام!، رو... "أريام" ليست سوي نصفي الآخر وإن قلتُ هذا لن تكون مبالغه مني فهي بالفعل كذلك.. لا أستوعب كونها ستظل بعيده عني لا أعرف عنها شئ.. ماذا لو حدثت معها مشكله.. أو مرضت أو أوقعت نفسها في مأزق!؟... الكثير من التصورات تأتي في رأسي حتي أكاد أصاب بالجنون... وما يُرهقني أكثر هو كونها بعيده كل البُعد عني فإن أردت الذهاب واستعادتها لن أستطع.
نظرت له "شمس" لثواني ثم قالت بابتسامة :
_يروقني كثيراً ما تشعر به تجاه أختك، حقاً لم أُقابل منذُ زمن من يهتم لأمر أحدهم مثلك، رُبما لمكاني هذا الذي رأيت فيه الأم تُضحي بإبنتها من أجل النجاه..
نظر لها بصدمه لتهتف بتأكيد:
_لقد حدثت بالفعل.. ذات مره حينما تراكمت الديون علي سيده ما وكانت ل البدين"مُفيد".. أخبرها أن ترد له ديونه عن طريق العمل هُنا هي أو إبنتها.. وبدون أي تردد منها اختارت أن تعمل إبنتها هنا مُتحججه بكبر سنها وعدم قدرتها علي أياً من الأعمال المتواجده هنا، وبالفعل عملت ابنتها هُنا... والأغرب من هذا إنها كانت تأتي كل فتره لتأخذ منها ما توفره من النقود بعدما أعطت "مُفيد" أمواله.... والآن أتصادف معك من تفعل العكس تماماً..بأول الأمر بدي عليك الاستعداد لفعل أي شئ غير أن تعمل أختك هنا.. وبعدها بدي نفس الاستعداد بشأن عملها بالسجن... بالمناسبه ماذا حدث كي تُغير رأيك؟.
رجع "عبد الرحمن" بذاكرته لوقت نقاشه مع "روبين"...
_قلتلك لأ.. متحاوليش عشان مش هوافق.
هتف بها "عبد الرحمن" بعدما أوشك علي الاصابه بصداع رأسي من كثرة محاولات "روبين" لإقناعه بشأن العمل، فتمسكت الأخيره بفرصتها الأخيره ومحاولتها في إقناعه حين هتفت:
_تقدر تقولي لو مخرجتش واشتغلت اللعنه هتبدأ ازاي! أنت عاوزنا نفضل هنا طول عمرنا! ولا نسيت كلام صخر؟!.
تذكر" عبد الرحمن" حديث صخر الأخير حينما قال:
_وإن حاولتما التذاكي والجلوس بمكان ما والانغلاق علي أنفسكم لن تبدأ اللعنه... إذاً لن تبدأ سنة تواجدكما هُنا وبالتالي ستظلون للأبد رُبما.
حينها سأله "عبد الرحمن" بتعجب:
_ومتي تبدأ اللعنه؟
_حينما تعيشون مثل البقيه وتختلطوا بهم.. تعملون وتتحدثون معهم وتكونون علاقات دون أي حواجز تضعونها حولكم.... أي تعيشون حياتكم كما هو مُعتاد.
عاد من تذكره علي حديثها وهي تهتف بنبره هائجه:
_لو أنت عندك استعداد تفضل هنا فأنا مستحيل أقبل بده وهعمل أي حاجه عشان السنه دي تعدي ونخلص ونرجع حياتنا .
تمتم بضيق :
_هنشوف شغل تاني.
ردت بغضب :
_عبد الرحمن أنت بتضيع وقت! شغل تاني أي وصحاب البلد نفسها قالوا مفيش وشمس ومفيد قالوا كده، يبقي احنا بنضيع وقتنا علي الفاضي.
صرخ بها بغضب قائلاً :
_هو أنتِ لي مش مقدره أني خايف عليكِ!، لي مش مقدره صعوبة إني أقولك آه روحي اشتغلي في السجن وابعدي عني ومبقاش عارف عنك أي حاجه ولا عارف أنت ِ كويسه ولا لأ!؟.. هو طبيعي أوافق أرميكِ في سجن كله رجاله والله أعلم باللي بيحصل جوه واحنا في بلد غريبه منعرفش عنها حاجه ولا نعرف قوانينهم ماشيه ازاي!.. لي محسساني إني عاوز أتحكم فيكِ وخلاص وإني بضيع وقت مش إن الموضوع صعب فعلاً أني أتقبله وإني فعلاً خايف عليكِ!.
أنهي حديثه بأنفاس متسارعه وغضب يعصف بكيانه وقرر حينها الانسحاب من أمامها كي لا يفقد أعصابه أكثر.. وأما عنها فتركته يذهب فهي تعلم جيداً أن "عبد الرحمن" بوقت غضبه يُصعب الحديث معه.
عاد من شروده علي صوت "شمس" يقول :
_عُبيد... ألستُ معي؟
هتف بهدوء:
_لا معكِ... لا أريد الحديث بهذا الموضوع أكثر.. فقط أريد العمل بالتأكيد هو ما سيشغلني عن التفكير الزائد حتي لا أفقد عقلي.
أومأت بهدوء وهتفت بابتسامة :
_رغم عدم معرفتي ب أريام إلا أني آراها قويه وستستطيع التأقلم هناك.
انتفض واقفاً فجأه وهتف بغضب:
_لمَ تتحدثين معي من الأساس!؟ .. أنتِ من أول أسباب ذهابها لهُناك لذا فلا تتدخلي بالأمر سيكون أفضل.
دلف للداخل بغضب يزداد تمكُناً منه ووقفت هي تتابعه بدهشه وهي تتمتم :
_ماهذا المجنون؟!
___________________
سارت بالممر الطويل بعدما انتهت من مداوتهم تنظر للغرف المحتجز بها السجناء بتفحص، كانت جميعها متشابهه و تحتوي الواحده علي ثلاث أشخاص وفيها من احتوت علي أربع رغم عدم اتساعها، كان عددها كبير والممر طويل جداً تسائلت بفضول لم تستطع كبحه لذلك الجندي الجديد الذي يسير بجوارها وقد أتي لأخذها ولكن أخبرته في رغبتها برؤية مكان عمل السجناء وحينما أوشك علي الاعتراض كذبت عليه مخبره إياه بأنها قد أخذت الأذن من الجندي الذي جلبها لهنا وقد كان أعلي منه رتبه لذا رضخ لها مُرغماً :
_كم عدد الغرف بالممر ؟
رد بجمود:
_مايُقارب المائه وهذا أحد الممرات فقط... هناك ممرات آخري غير هذا.. هذا الممر الشرقي.
احتلت الدهشه معالم وجهها... مائة غرفه بالممر الواحد! وهناك الكثير من الممرات! والغرفه الواحده بها ثلاث أشخاص و أكثر! كل هؤلاء سجناء! وكأن أكثر من نصف سكان جاردينيا زُجوا بالسجون!.
أغمضت عيناها حتي تستوعب ذلك الضوء الذي داعب عيناها بشده حينما وصلت لآخر الممر فوجدت باب آخر كبير مثل الذي كان بالاعلي وحينما فتحه الجندي ظهر ضوء النهار من خلفه.. خرجت من الباب لتجد نفسها ب أرض رمليه والعديد من الصخور تُحيطها وأمام تلك الصخور يقف السجناء مُمسكين بأدوات حاده مناسبه للتكسير ويكسرون بالصخور بأقصي قوتهم ومن يتوقف ولو ثواني تنزل تلك العصا الغليظه المُمسك بها الجنود علي أجسادهم بعنف فينتفضون لها ومع برودة الجو الضرب يؤلم أكثر بالطبع وتلك العصا تترك آثار واضحه علي أجسادهم، نظرت أمامها لتري الجبل.. إذاً كما أخبرها" صخر " من قبل عن هؤلاء الرجال من أهالي جاردينيا الذين يذهبون خلف الجبل ل يأتون بالحجارة والأخشاب الغليظه فهم يأتون بها بعدما ينتهي السجناء من تكسيرها وهكذا الأشجار بالتأكيد فهي تري علي الجانب الغربي علي امتداد بصرها العديد من الأشجار الضخمه التي لم تراها من قبل بسبب ارتفاع الجبل الغربي التي تقبع خلفه تلك الشبيهه بالغابه، نطرت لهم بألم وحزن فبرغم برودة الجو إلا أن أجسادهم تتصبب عرقاً ومنهم من هو مُصاب بالكثير من الجروح.. وهنا تسائل عقلها باستغراب تلك الجروح البالغه من أين تأتي؟! إذا كان الأمر يقتصر علي عدة ضربات يتلقوها فينتفضوا مُكملين أعمالهم.. إذاً من أين لهم كل هذه الضربات والجروح العميقه الناجمه عن ماهو أكثر من الضرب بعصا فبالداخل أحد من عالجتهم قد تعرض للكيّ بصوره قاسيه وموحشه! .... وأتت الاجابه سريعاً حينما تمثل أمام عيناها حقيقة الأمر بأكمله.. سقط أحدهم أرضاً مُلقياً بالاداه بعيداً فاقترب الجندي منه وأخذ يضربه بعنف ضربه تلتها الأخري وهو يصرخ به بالنهوض.. ولكن من الواضح أن الرجل قد فقد صبره وطاقته فصرخ ببكاء متلوي:
_لن أستطع الإستمرار... لن أفعل.
صرخ بالأخيره بعجز واضح.. فتوقف الجندي عن ضربه.. امتلأت أعين "روبين" بالدموع تأثراً لحاله وحينما توقف الجندي هدأت قليلاً وهي تظن أنهم قرروا تركه ليرتاح.. ولكن لم يدوم هدوئها حينما أشار الجندي لمجموعه جنود آخرين فأتوا سريعا ً يجرون الرجل جراً حتي تلون وجهه بالرمال وهو يصرخ بعجز وصراخ يقطع القلب مردداً ب كلمه واحده ألا وهي "الرحمه"... ولكن أي رحمه مع هؤلاء!.. هنا فهمت حقيقة الأمر فمن يتمنع عن العمل حتي وإن كان قد هُلك بالفعل يأخذونه للتعذيب فيتركونه مُحمل بالجروح ومن ثم يأتون له بالطبيب لمداواته وإعادته سريعاً للعمل... التفتت علي صوت أقدام خلفها فوجدت من ضمدت جروحهم للتو يتخذون أماكنهم بين السجناء ويقومون بأعمالهم من تكسير وحمل الحجاره ووضعها بالعربات.. لم تستطع التحمل أكثر فقالت بصوت يغلبه غصة البكاء:
_أريد الذهاب لغرفتي.
أومأ بهدوء وأخذها صاعداً بها للأعلي ثانية ً واتجه بها لخارج المبني ثم أشار لها علي مبني مجاور للمبني الرئيسي في مُحيط السور وقال:
_هذا هو مبني الأطباء.. ستجدين هناك كل الأعشاب والأشياء التي ستحتاجينها وهناك أيضاً غرفة معيشتك، ويوجد بها فتاه تُدعي "مطر" مساعدة الطبيب ستجدينها بالداخل.
أومأت بخنقه واتجهت للمنزل بصمت.. تشعر أنها تريد البكاء وبشده.. تتمني لو تطلق العنان لصوت شهاقتها لترتفع أكثر ف أكثر.. منذ أول يوم لها ورأت كل هذا إذاً ماذا عن القادم؟!..
دقت باب المنزل الصغير ليُفتح وتظهر من خلفه فتاه ببشره بيضاء ناصعه و أعين خضراء وشعر بني قصير يصل بالكاد لكتفها وجسد متوسط الحجم....نظرت لها "روبين" بصمت حتي هتفت "مطر" بترحيب :
_لابد أنكِ الطبيبه الجديده... تفضلي بالدخول.
دلفت "روبين" بخُطي بطيئه حتي وصلت للمقعد الموجود بجوار الباب فجلست عليه بإنهاك ودموعها تتلألأ بمقلتيها غير قادره علي تحريرها ولا علي إخفائها.. ظلت تنظر للأرض بشرود فهتفت "مطر":
_من الواضح أن ما رأيتيهِ قد أثر عليكِ.... لا تقلقي ستعتادين علي الأمر.
رفعت نظرها تطالعه بأعين دامعه وقالت :
_هل يعتاد المرئ علي الألم والظلم!؟ ما يتعرضون له قمة الظلم والبشاعه.. كيف لهم أن يفعلوا هذا؟!.. هم يسلبونهم أقل حقوقهم وهي الراحه! يسلبون حياتهم ويذيقوهم أبشع أنواع الذل والمهان.
جلست "مطر" فوق المقعد المقابل وقالت بهدوء :
_هذا هو سجن جاردينيا... هذا هو ما وراء هذا السور العظيم الذي لا يدري أحد بما يحدث خلفه..
قطبت حاجبيها بتعجب :
_ماذا؟ أولم يعرف سكان جاردينيا بما يحدث!؟.
_بالطبع لا.. لا أحد يعرف شئ عما يحدث بسجن جاردينيا.
تسائلت باستغراب:
_كيف!؟ لقد رأيتهم يعملون عند الجبل وسكان جاردينيا يأتون لخلف الجبل لجلب الصخور والأخشاب! كيف لا يروهم..
_لا أقصد عن أمر العمل... الجميع يعرف أن السجناء هم من يقومون بتكسير الصخور وغيرها.. لكن لا أحد يدري حالتهم.. بعدما ينتهوا يضعوا الحجاره بالعربات وتقوم الجنود بأخذ العربات بواسطه الأحصنه من الجبل الغربي للجبل الجنوبي أو الشمالي ومن هناك يستلم أهل جاردينيا أعمالهم.. لكن كنت أقصد أمر التعذيب وما يلاقونه هنا.
_وهذا أيضا ً كيف لا يعرفون؟ من يخرج من هنا لا يسرد ما حدث معه حتي لأهله؟!
_هذه هي الحلقه المفقوده وأولي ألغاز سجن جاردينيا.. لم يسرد أحد أي شئ عن ما عاناه هنا، ويخرج ليس به جرح واحد.. لا أعلم لما.
صمت ثواني بتفكير ثم قالت :
_ربما يهددونهم.
نفت "مطر" برأسها قائله:
_لا.. أخي سُجن هنا لعام كامل، وحينما خرج وحاولت سؤاله عن ماكان يحدث معه لم يكن لديه ما يقوله.
ضيقت ما بين حاجبيها بعدم فهم:
_كيف؟
رفعت كتفها بجهل قائله:
_لا أعلم.
مررت "روبين أنظارها علي المكان.. فكان مناسب لحد ما.. يحتوي علي غرفتان و مرحاض وصاله، كانت الصاله تحتوي علي العديد من الأعشاب وُضعت بأحد الجوانب وبجانبها أواني الطحن.. ومقعدان من الخشب المتهالك قليلاً.. ومكان طهي الطعام بأحد الأركان كما هو مُعتاد ونافذه واحده علي الحائط المقابل للفناء، قالت ل "مطر" بانهاك:
_أيهما غرفتي؟
أشارت لها علي الغرفه المقابله فدلفت للداخل بصمت تام حتي أغلقت الباب الخشبي القديم ببطئ ومن ثم انهارت في البكاء مُرتميه علي الفراش البالي القديم والتي لم تحتوي الغرفه سوي عليه هو و صندوق به بعض الملابس من الواضح أنها خاصه بالاطباء تنتحب بألم وقهر.. لا تستطع إزالة ما رأته من عقلها وتشعر بكم هائل من العجز والحزن لم تشعر بهم سابقاً.. ظلت هكذا حتي غلبها النوم من شدة إرهاقها فهذا اليوم من أصعب الأيام التي مرت عليها في حياتها.
________________________
دلف "حيدر" لداخل" البلاط الملكي " كما يُطلق عليه، ووقف باحترام يؤدي التحيه ل "إيفان" الذي يجلس فوق كرسي ضخم ووثير مُبطن بأفخم أنواع القطن ومُقفل بقماش فخم المظهر ك باقي أثاث القصر، كان "إيفان" يجلس فوق كرسيه مرتدياً جلباب أبيض ناصع أظهر بياض بشرته بشده مُطرزه أكمامه بالذهب وفوق كتفيه وضع عبائه ذهبية اللون تنسدل علي جسده من الخلف بأكمله ومن الأمام مفتوحه وبنصف أكمام أدخل يده من خلالها... وبمنتصف خصره ارتدي فوق الجلباب الأبيض حزام مُدهب ذو مظهر رائع ولم يختلف الحذاء ذو اللون المُدهب عنهما... وكل هذه التطريزات ليست سوي ذهب خالص...
هتف "إيفان" بهدوء:
_سمعت بأمر وفاة طبيب السجن؟
أومأ "حيدر" برأسه في هدوء.. وهكذا هو حاله معه حينما يتواجدان أمام الجمع.. فلم تخلو القاعه من بعض الرجال ذوي السلطات بالبلده فقد كان "إيفان" يتناقش معاهم حول أمور عديده قبل مجئ" حيدر" بناءً علي طلب" إيفان" له المُسبق..
أكمل إيفان قائلاً :
_أريد معرفة سبب وفاته.. فالطبيب لم يتجاوز الثلاثون وأشعر بوجود أمر ما مُستتر خلف الأمر.. وأيضاً أريد منك مجازاة رئيس السجن لتكتمه علي خبر مثل هذا لأيام عده وعدم إخبارنا فور وفاة الطبيب وبقاء السجن لشهر كامل دون طبيب.
أومأ "حيدر" بهدوء قائلاً :
_سأتحري عن الأمر سيدي الحاكم.
أردف مُحذراً:
_بنفسك حيدر.. تذهب لتتحري بنفسك.
أومأ بهدوء ومن ثم انسحب ذاهباً لتأدية الأمر.
رواية جاردينيا (لعنة الحب) الفصل الثامن 8 من هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية جاردينيا (لعنة الحب))
تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)