رواية استوطننى عشقك الفصل الخامس 5 بقلم شيرى الجرف
رواية استوطننى عشقك البارت الخامس 5
رواية استوطننى عشقك الجزء الخامس 5
رواية استوطننى عشقك الحلقة الخامسة 5
رواية استوطننى عشقك بقلم شيرى الجرف
رواية استوطننى عشقك |
رواية استوطننى عشقك الفصل الخامس 5
الفصل الخامس
زفر بضيق بعد أن بحث عنها المشفى كلها وها هو ينظر لمكان سيارتها الفارغ بضيق بالغ من تصرفها
شعر بإقتراب طارق وغدير التي سيأخذها للبيت معه كما أمره عمه أن يذهبوا جميعًا للبيت وهو سيجلس بعض الوقت، لم يكن يريد أن يحتك بغدير أبدًا من أجل وتين بعد ماحدث لكن كأن القدر يرميها دائمًا في طريقه زفر بغيظ من وتين التي ذهبت دون اخباره كأنه لا يعني لها أي شئ...
ابتسم بسخرية محدثًا نفسه ،هذه هي الحقيقة أنت لا تعني لها شئ وهذا ما قالته لك، فلِما الصدمة الآن، لماذا تتوقع أن تسير الأمور بينكم بشكل صحيح وهي لم تكن هكذا منذ البداية...
أفيق بدر..
أخرج هاتفه لكي يهاتفها لكن كانت الصدمة أنه لايملك رقم هاتفها، أي جنون هذا، هل يوجد زوج لا يحمل رقم هاتف زوجته وقبل كل هذا ابنة عمه، إلى هذه الدرجة كانوا بعيدين عن بعضهم، كيف تغيروا هكذا، ولماذا ابتعدت عنه هكذا، سؤال لم يجد له إجابة بعد...التفت يسأل غدير بتماسك مفتعل
"أريد رقم هاتف وتين"
نظر له طارق بصدمة تجاهلها وهو يأخذ الرقم من غدير ليحاول الإتصال بها مرارًا وتكرارًا، لكنها لا ترد ليزفر بحنق ويتحدث بعصبية مسموعة
"أين ذهبت بحق الله ولما لا ترد على هاتفها اللعين"
تركهم وتحرك بإتجاه سيارته ليركبها بغضب وهو يحثهم على اتباعه
طوال الطريق والصمت يعم السيارة بين ثلاثتهم غدير الشاردة بالمقعد الخلفي تنظر إلى الخارج وكذلك طارق الجالس بجوار بدر الصامت وعيناه على الطريق بينما عقله يسافر إلى أماكن عدة...
قطع طارق الصمت وهو يقول بهدوء ونظره مصوب على الطريق
"أوصل ابنة عمك ولنذهب لأي مكان لنتحدث"
أومأ له بموافقة دون أن يرد فهو بحاجة إلى الحديث معه لعله يستريح من كم المشاعر المتناقضة التي تجتاحه بدون رحمة وتقتات على راحته...ومن غير طارق يفهمه ويكشف روحه أمامه بدون خجل...
*******
"هل فقدت عقلك...كيف لك أن تفعل هذا "
قالها طارق بصراخ غاضب ليلتفت بدر يمينًا ويسارًا بالمقهى الذي يجلسوا به لينبهه أن يخفض صوته ويهدأ، ليتجاهله طارق ويتابع بنبرة خافتة
"كيف لك أن تفعل بها هذا...بالرغم من ظروف زواجكم.... لا أصدق أن تكون بهذه الحقارة والخسة بدر، حقًا أنا لا أعرف ماذا أقول لك"
ختم جملته وأشاح بوجهه عن صديقه وماهي الا ثواني وسمع بدر يتكلم بنبرة نادمة
"لم أكن أخطط لكل هذا...أنا...أنا لا أعرف ماذا حدث وقتها كأني فقدت عقلي بعد كل ماحدث بالزفاف لم أفهم شئ....
أكان إنجذاب جسدي أم أاا...."
قاطعه طارق ليتحدث دون أن ينظر له
"بل غرورك الذكوري الذي أهانته غدير برفضها لك، جعل ثقتك بنفسك تهتز... كل هذا جعلك تريد أن تشعر أنك مازلت مرغوب من الجنس الآخر وبالأخص لو كانت المستسلمة لك هي زوجتك أليس كذلك"
يعترف انا لا أحد بهذا العالم يعرفه أكثر من طارق صديق عمره التي لم تتأثر صداقتهم بغيابه طوال هذه السنوات، صديقه ومرآته وكل شئ له بهذا العالم، انتبه لتكملة كلام طارق
" زوجتك التي لا تعرف لها رقم هاتف.... زوجتك التي لا ترتدي خاتم زواجها في حين أنك مازلت ترتدي خاتم خطبتك من الأخرى.... زوجتك التي اتفقت معها على الطلاق ومع ذلك أشعر انك لا تريده.... فماذا تريد ياابن الرازي"
نظر بدر بصدمة لخاتم الزواج بيده والذي نسى أمره تمامًا في ظل الظروف الذي مروا بها جميعًا، هو حتى لم يفكر بالأمر، حتى وتين فقد رفضت أن ترتدي يوم الزفاف خاتم غدير من أجل الضيوف، وكان قد وعدها أنه سوف يشتري لها شبكتها الخاصة بعد الزفاف نظرًا لظروف الزواج ولكنها رفضت رفضًا قاطعًا أن ترتدي خاتم أحد وهو يمنحها العذر الحقيقة يكفي كل ما حدث معها أحنى بدر وجهه وسند جبهته على قبضتيه المرفوعة بضيق ليرد
"صدقني أنا لا أعلم ماذا يحدث لي"
تنهد طارق وربت على كفه بحنو وهتف بخفوت..
"مارأيك أن تبدأ بإحساسك وقت معرفتك برفض غدير الزواج وزواجك من وتين.... تحدث ياولد لن أقاطعك حتى تفرغ جعبتك من الحديث"
قال الجزء الأخير من كلامه بنبرة مازحة حتى يخفف من التوتر الحاصل في الأجواء
رفع بدر كوب القهوة ليشرب منه عدة رشفات متتالية، سحب نفس عميق وهتف
"وقتها كنت أرتدي ثيابي في غرفتي وسمعت صراخها وذهبت لأراها.... تفاجئت بالعائلة كلها في الغرفة عندها وهي تصرخ وتهدد بالإنتحار أن أرغموها ظننت للحظه أنها خائفه أو تعاني رهاب من الزواج ولكني كنت مخطئ فعندما اقتربت لأهدئها صرخت وقالت أنها لا تحبني ولا تريدني لقد كانت تتوهم والآن أفاقت من هذا الوهم... وقتها شعرت بكرامتي تأن وكبريائي تحطم من فعلتها لكن الغريب بالأمر أن قلبي لم أشعر به تأذي"
صمت قليلًا ونظر للخارج وأكمل"
نعم الآن تذكرت، كان شعوري السلبي حيال الأمر يخص كبريائي وكرامتي فقط، ومنظري أمام الناس ماذا سيكون
ليخلصني جدي وقتها ويطلب من وتين أن ترتدي ثوب الزفاف وتأتي لتتزوجني "
صدم طارق من كلامه الاخير ولم يمنع نفسه من السؤال
"ياإلهي هكذا دون أن يسألها رأيها أو يحاول اقناعها حتى!"
شرد بدر يتذكر هذا اليوم عندما كانو يقفون جميعًا بالغرفة ليمشي جده بإتجاه الثوب بإرهاق بعد أن حاولوا اقناع غدير باللين والعنف لكن الأخيرة كانت تزيد في صراخها وإنهيارها....أخذه وأعطاه لوتين التي لا تقل صدمتها عن صدمة الجميع وقتها ليأمرها بكل هدوء أن ترتدي الثوب بنبرة حازمة حاول أن يخفي بها كسرته من فعلة حفيدته
لتجفل وتين من المفاجأة وترفض برعب بالغ وتردد مرارًا
"أرجوك لا تفعل بي هذا جدي أرجوك"
ليباغتها جده وقتها بجملة واحدة وهو يضع الثوب بين يديها
"بل أرجوك أنا ابنتي.... سمعة عائلتنا بين يديك الآن.... كرامة جدك وأعمامك على المحك الآن وأنتي لم ترفضي لجدك أمرا قبل ذلك....فلا تفعليها الآن أرجوك "
ليتفاجئ بوتين تحمل الثوب لتذهب لغرفتها بإنكسار وحسرة حرقت جزء من قلبه والجزء الآخر شعر بالراحة لمرور الأزمة بتبدل العروس كأن كل ما يهمه وقتها أن يتزوج فقط ولم يهمه تبدل العروس، شعور استنكره بشدة واحتار في تفسيره كالعادة...
"مسكينه وتين تحملت أن تأتي على كرامتها من أجل عائلتها فقط"
قالها طارق بشفقة تجاه تلك الفتاة التي تحمل بقلبه غلاوة كبيرة جدًا منذ صغرها صديقته الصغيرة والكبيرة، لا ينسى أبدًا بعد موت أمه وقد قابلته يومًا صدفه لتأتي له ببرائة طفلة ورقة مراهقه تواسيه
"لا تحزن طارق فأنا أشعر بك.... أنا أيضا لا أملك أمًا ولا أبًا....لكن جدي يقول أننا سوف نلتقي بهم في الجنه...لذلك لنتخيل أنهم مسافرين وسيأتي يومًا ونلتقي بهم بعد أن تنتهي رحلتنا"
جملة بسيطة خرجت من تلك الصغيرة ولكن كان وقعها كبير في نفسه ولا ينكر أنه اتخذها منهجًا لشوقه لأمه الحبيبة فنصيحة الصغيرة وقتها كانت طوق نجاة لمشاعره التي كانت تحتضر، ومنذ ذلك الوقت ووتين صديقته التي كان يساعدها بدراستها ويتحدث معها دومًا ويطمئن على حالها من وقت لأخر، لقد قام بتعين نفسه أخًا وصديق لها منذ زمن وبالأخص بعد سفر بدر الذي كان يعلم مدى تأثير سفره عليها...
صغيرته العاشقة التي تشاركت معه ألم لا يحتمل، وهو أن ترى مالك قلبك يكون ملك لغيرك لكنه مستحيل أن يخبر بدر بمشاعرها مهما حدث، كما صمت ولم يخبره بمشاعره لغدير التي كان واثق أنها سترفض عشقه وتنظر له بفوقية وكأنه أرتكب أثم بعشقه لها،لقد ظل يكتم ذلك العشق بداخله حتى اختارت صديقه فلم يكن أمامه سوى كتم ألمه أيضاً ويقف يشاهد بصمت وبداخله ينعي عشقه
ليتفاجأ يوم الزفاف الذي كان يذهب إليه بقلب نازف من أجل توديع عشقه للأبد وإقامة مراسم التحريم عليه للأبد لأنها ستكون زوجة أعز أصدقائه، بأن العروس تغيرت وبالرغم من الراحة التي تسللت لقلبه وقتها إلا أنه لم يمنع قلبه من القلق على وتين...
فقضي الليل كله يفكر في حقيقة الأمر، وكيف تغير كل شئ هكذا، حتى جاء الصباح وهاتف بدر حتى يفهم منه ماحدث لأنه لم يتمكن من سؤاله في الزفاف وكلما نظر لبدر شعر أن هناك كارثة...لقد أتفقا على اللقاء والحديث لكن بسبب مرض جده تأجل اللقاء إلى هذا اليوم، فالبرغم من لقائتهم المتكررة بالمشفى إلا أنهم لم يتحدثوا بالأمر، حتى عندما راسل وتين أخبرته أنها لا ترغب في الحديث وهو تفهم موقفها وصمت حتى لا يضايقها...
"نعم مسكينه ويؤلمني قلبي عليها أنها مدللتي الصغيرة....صديقتي الغالية التي كبرت وأصبحت ساحرة، لكنني سببت لها الأذى وجرحتها.... لكن أقسم أنه رغمًا عني"
قالها بدر بشرود وألم يظهر على نبرته وهو ينظر خارجًا بحزن ...
هتف طارق بتساؤل متردد خائف من أن تكون الإجابة قاتله له مجدداً
"معني هذا ان مشاعرك اتجاه غدير كانت مجرد اعجاب فقط لانه لو كان حبًا حقيقيًا ماكنت قدرت على الزواج من أخري بل ولمسها أيضا....أليس كذلك " أومأ بدر بموافقة وقال بصدق وهو يتنهد
" يبدو ذلك، شعوري اتجاهها خاوي جدًا لست غاضب منها ولا مجروح من فعلتها....أشعر أني لا أحبها ولا أكرهها بل أشمئز من أفعالها التي عرفتها فيما بعد اتجاه وتين وبعد مرض جدي لا أنكر أني حملتها الذنب"
نظر له طارق بتساؤل صامت ولكن بدر التقط سؤاله على الفور ليتنهد ويطرق برأسه وهتف
"لا أعلم شعوري نحوها متناقض ولا أنكر رغبتي بها كرغبة أي رجل بزوجته.... واشتقت أن أراها تضحك كما كانت بالماضي....حقا لا أفهم ما يحدث معي "
"ولكنك ستطلقها أليس كذلك"
أومأ بدر بهدوء دون رد ليكمل طارق بخفوت
"وما إحساسك نحو الأمر"
"أشعر بالتردد ومع ذلك سأنفذ ما طلبته"
قالها بدر بإرهاق وهو يقبض على كفه بقوة وتنهد بثقل بعد أن استنفذ طاقته من كل هذا الحديث والدوامة التي يغرق بها من مشاعر وأفكار وضغط من كل شئ حوله
ولكن الشئ المؤكد الآن أن طلاقه هو الشئ الصحيح..
لابد أن يصلح هذا الخطأ، يعلم أنه دمر لها مستقبلها ويقسم أنه فكر جديًا بإستمرار الزواج من أجلها ومن أجله أيضًا...
لكن بما أنها لا تريده بحياتها، وأن الأمر لا يشكل فارقًا معها فلن يرغمها على ما لا تريده يكفي إرغامها على أشياء لا تريدها...يكفي أن يجرحوها فهي لا تستحق هذا
******
"أين كنتِ "
قالها بدر الجالس على الأريكة بشقتهم بعصبية بالغه ونبرة صوت عالية لم يتحكم بها
فبعد أن عاد واكتشف أنها لم ترجع البيت بعد، وعندما حاول الإتصال بها كثيرًا لم ترد حتى استبد به القلق وكان على وشك الخروج للبحث عنها لا يعلم أين ولكن كان سيبحث بكل مكان لقد راودته جميع الأفكار البشعة حول حدوث أي حادث سئ لها، كاد أن يجن وهاهي تدخل بكل برود ولا كأنها فعلت شئ ولا كأنها جعلته على وشك الجنون من خوفه عليها وانقباض قلبه كلما تخيل أن مكروها حدث لها..
أكملت دخولها بهدوء وعندما اقتربت من باب الغرفة وقبل أن تفتحه وبدون أن تنظر له حتى فهي مرهقة ومستنزفة كليًا وضائعة لدرجة بعد أن تركته خرجت من المشفى تدور في الشوارع بسيارتها حتى وجدت نفسها أمام مقابر العائلة...
دخلت وقرأت القرآن والأدعية لأبويها وجلست تتحدث معهم صحيح أنها لا تعرفهم سوى من الصور ولا تتذكر ذكرياتها معهم، لكنهم بالنهاية أبويها، الذي لن يحبها أحدًا مثلهم وهي أيضًا حتى وإن لم تتذكرهم، لكنهم سيبقوا أبويها التي تحبهم كثيرًا، كما تعلم أنهم ربما لم يشعروا بزيارتها ولن يسمعوا حديثها وأن الدعاء يصلهم من أي مكان وليس شرط أن تكون أمام المقابر، لكنها بحاجة أن تشعر أن بهذا المكان أبويها والتي هي جزء منهم وليس بدائل في حياتها بدائل لا تنكر حبها لهم ولكن مستحيل أن يحل أحد محل أبيها وأمها..
"كنت مع أصدقائي"
قالتها كاذبة دون أن تلتفت له حتى، فقد اكتفت من كل شئ اليوم ولا ترغب بالحديث بأي شئ مجددًا
انتفض غاضبًا ليتحرك ويقف قريبًا منها وبنبرة غاضبة جدًا هتف ..
"ولِما لم تخبريني قبل رحيلك....لما جعلتيني أقلق هكذا... هل كنت ستخسري شيئا أن أخبرتيني قبلا "
التفتت له وقالت بهدوء هي تتهرب من النظر في عيناه
"ولِما أخبرك... أظن أننا انتهينا أليس كذلك"
قال وهو يضغط على أسنانه ويقبض على كفيه بقوة فهو حقا غاضبًا من فعلتها حد الجحيم كما كان خائف حد الجحيم..
"أنتي مازلتي زوجتي وإياك و الخروج بدون إذني إلى أن يحين وقت الطلاق"
حاولت الاعتراض على كلامه ولكنه رفع كفه أمام وجهها وقال بصوت غاضب منها ومنه ومن كل ما يحيط به
"إياك والإعتراض فأنا اكتفيت من الحديث اليوم.... ستنفذي كلامي وكفى"
أتبع كلامه وتحرك سريعًا ليدخل الغرفة المجاورة لكي ينام فلقد أرهق بما فيه الكفاية...
كما لم يعد ينفع أن ينام بجوارها لانه لا يضمن نفسه بقربها ولا يجوز أن يقربها بالأخص بعد حديثهم اليوم فأصبح كل شئ واضح، وتين لا تريده ولاتريد الإستمرار بهذا الزواج وهو لن يجبرها على فعل ما لا تريده، وكذلك الأمر لأنه غاضب جدًا منها وحانق عليها ولا يعلم السبب وراء ذلك.
******
الجميع حوله والفرحة والإطمئنان يزينوا وجوههم بعد أن اطمئنوا على كبيرهم وحبيبهم الذي خرج من غرفة العناية منذ يومين بعد مكوث أسبوعين كاملين بها...
أسبوعين مروا على الجميع كالجحيم والخوف من الفقد يفتك بهم وها هو الله نصرهم بشفائه واطمئنوا عليه وما هي سوى أيام قليلة ويخرج من المشفى بشكل نهائي...
دارت أنظاره على عائلته الحبيبة بمحبة خالصة وفخر، نعم فخر فمهما حدث بينهم إلا أنهم عصبة واحدة لا يفرقهم شئ، يحزنوا من بعض أحيانًا، لكن مستحيل أن يسكن الكره قلوبهم وهذا شئ دائمًا يحمد الله عليه
نظر لعبد الرحمن الذي يتحدث مع رقية حبيبته وزوجته الحنون الذي يعشقها ورغم مرور السنوات لم يختفي العشق أبدًا من عيناه
وكذلك عزت وكاميليا الذين تحدوا كل الأقدار والإبتلاءات التي مروا بها وهم يداً بيد وصمدوا بكل قوة نحو الظروف وتمسكوا بعشقهم لبعضهم البعض
التفت ينظر إلى مريم التي تمازح بدر ويضحكوا سويًا، مريم صغيرته مهما كبرت والذي مازال قلبه يؤلمه عليها كما يؤلمه على فراق ابنه وفلذة كبده...
مريم التي فقدت جزء من روحها بفراق عمر أخيها وتوأمها والجزء الأخر بفراق أكرم حبيب روحها ولكنها راضية دائمًا بقضاء الله وقدره مهما حدث وتحمد الله على عطائه دائمًا...
وقع نظره على وتين وغدير الجالستين بصمت وكل واحدة بمكان، أحزنه رؤيتهم هكذا، لقد كانوا لا يتركوا بعضهم البعض في الماضي رغم اختلاف طباعهم، وتين الحنونة كانت دائمًا تحتوي جنون وغيرة غدير إلا أن تفرقوا وبني بينهم سدود كثيرة
لكم يتمني من الله أن يسعدوا بحياتهم وأن يصلح الأمور بين أحفاده ولا يفترقوا أبدًا...
راقب تقدم وتين منه بصمت إلى أن وصلت له وتحركت تجلس على الفراش بجواره ومدت يدها تمسك يده وترفعها تقبلها وتحدثت بنبرة حزينة معتذرة
"أنا أسفه جدي"
رفع ذراعه بوهن يضمها له وقبلها على رأسها و رد بنبرة حنونة
"لا تعتذري يا صغيرتي وحبيبة قلبي و ذكري ابني الحبيب وقطعه منه.... بل أنا هو الآسف على ما اقترفته بحقك"
هزت رأسها برفض وترقرقت الدموع بعينيها وتحدثت وهي مازالت بأحضانه
"لا جدي أرجوك انت لم تفعل أي شئ سئ لي أبدًا ...فأنت دائمًا أبي وجدي وحبيبي وصديقي الحنون انت كل شئ جميل بهذه الحياة يا جدي"
ابتسم بسعادة ومحبة خالصة لتلك الفتاة وربت على ظهرها وقبلها مرة أخرى من رأسها وتمتم يدعي لها بالسعادة وراحه القلب،نظر بطرف عينيه إلى تلك الجالسة محنية الرأس بحزن وانكماش...لم يتكلم معها ليرى ماذا ستفعل في الأيام المقبلة وهل ستفي بوعدها أم لا
******
خرجت من غرفتها بعزم و اصرار على تحقيق غايتها في كسب قلب أبيها وأمها مرة أخرى والحصول على مسامحتهم، شهر كامل منذ ذلك اليوم التعس وهم يخاصماها وهذه سابقة لم تحدث بحياتها... فهي كانت دومًا صغيرتهم المدللة التي لا يتحملون حزنها، لقد تمكنت من الاعتذار لعمها وزوجته الحنون رقية حتى جدها بعد خروجه من المشفى منذ أيام بعد تحسن حالته تمكنت من نيل مسامحته بعد أن أظهرها صغيرة جدًا أمام نفسها
شردت في تفاصيل ذلك اللقاء..
F.b
دخلت على استحياء واقتربت منه وهو ممدد على الفراش
جلست على المقعد المجاور لفراش جدها قبل أن تنحني على يده تقبلها وتقول وهي محنية الرأس
"حمدًا لله على سلامتك يا جدي"
أومأ دون رد عليها فهو يريدها أن تخرج ما بجعبتها كاملًا...كان قد سمعها جيدًا وسمع اعتذارتها له ذلك اليوم بالمشفى وحقا ألمه قلبه عليها...على قدر حبه لها كان صدمته فيها، يشهد الله أنه لم يكن ليجبرها لو كانت أخذت قرارها قبل ميعاد الزفاف ولكن ما فعلته أربكه، ووضعته بموقف صعب جعله يحمل وتين نتائجه
"جدي أنا أسفه...أرجوك سامحني..أنااا"
قاطعها بيده ليتكلم بصوت مازال يحمل أثار المرض والوهن
"أتعلمي يا عزيزتي الانسان لا يحصل على كل شئ بهذه الحياة، لا بد أن يحرم من شئ مقابل أشياء كثيرة....لكن هذا ضرورياً كي يتعلم الصبر والرضا بعطايا الله أيا كانت"
نظر لها نظرة حنونه ولم لا، حتى لو كان غاضب من فعلتها فستظل حفيدته الصغيرة الحبيبة فهو يعشق أحفاده جميعًا وإن كانت محقة فقلبه يميل أكثر لوتين التي يرى فيها روح ابنه الغالي.. نفض عنه أفكاره وأكمل
"وأمامك أمثله قريبه منك وليست بعيدة..... عمتك التي عشقت زوجها منذ كانت طفلة وعندما تزوجته خسرته وخسرت توأمها.... أخيها الذي كان يتقاسم روحها وفقدت أمومتها ومع ذلك صبرت واحتسبت أجرها عند الله وبحثت عن ملاذها بين أحضان طفلة صغيرة لا تتذكر أبيها وأمها ولا تتذكر أي ذكريات تجمعها معهم.... صغيرة لوحصلت على حب العالم كله لن يعوضها ابدًا حب وحنان أبيها وأمها... لليتم مرارة بطعم العلقم يإبنتي فبرحيل الأم والأب تصدأ الأبر التي كانت تخيط الجراح، لتبقى جروح الأيتام دائمًا متقرحة ومؤلمة جدًا جدًا ولم تتداوي مهما مر عليها الزمن..... وطارق الشاب الذي فقد أمه في أكثر أوقاته احتياجًا لها واحترق قلبه بفراقها ليعمق أبيه جروحه أكثر ويتزوج بعدها بشهور قليلة جدًا، ليبارك لأبيه زواجه ويترك البيت له ويستقل بمكان خاص به ليلعق جراحه بنفسه وحيدًا، و يرضى بصبر على قضاء الله"
صمت يسحب عدة أنفاس ويشير لها أن تعطيه كوب الماء ناولته بصمت مطبق وكلامه يمزق في غرورها وأنانيتها ليخلصها منهم لتسمعه يكمل بعد برهة
"حتى والديك لقد صبرا كثيرًا على تأخر الإنجاب وتحملا مشقة الطريق والمعاناة مع الأطباء ليرزقهم الله بإبنه مدللة أحنت رأسهم بأفعالها ومع ذلك فهم صابرين على بلائهم ويدعوا الله لها بالهداية"
قال كلماته الأخيرة بخبث وهو ينظر لها بطرف عينه حتى يستفزها ولكنها خالفت توقعاته وانهارت في بكاء مرير وشهقات متتالية لتتحدث بتقطع
"أسفه أرجوك أقسم أني سأعتذر..... أنا لن أعيدها... أنا أااا.."
قاطعها مجددًا يكمل بهدوء ويشير لها أن تجلس بجواره لتلبي رغبته، مد كفه يمسك بكفها ويربت عليه بكفه الآخر
"اسمعي ابنتي انتِ لست بشعة ولم ترتكبي خطيئة تخجل أو تغضب الله عز وجل....
الخطأ كان في وقت قرارك... أنتي كنتي دائمًا متهورة و لا تحسبين حساب النتائج... تتذكرين تلك المرأة التي كانت تعمل بالبيت ماذا فعلتي بإبنها"
أخفضت رأسها بخزي من حديث جدها لكنه تجاهل رد فعلها ليكمل عله ينهي ذلك التهور من حياتها إلى الأبد
"كنتي ستقتليه عندما تصرفتي بتهور وأخذتي مفاتيح سيارة أبيك وانتي مجرد مراهقة لا تعرف القيادة....فقط لتعيشين التجربة والنتيجة صدمتي السياره ليتأذى الولد وأنتي أصبتي كما أصبتي برهاب قيادة السيارات وأصبح هذا الموضوع عقدة لك وكل هذا من التهور"
نزلت دموعها بغزارة عند تذكرها لهذا الموضوع، فهي كادت أن تتسبب في موت الولد الذي كان يأتي مع أمه للعمل بالبيت، فظل الولد بالمشفى بضعة أسابيع ليتكفل جدها بعلاجه ، بل تكفل بالأسرة كلها منذ ذلك اليوم، سمعت جدها يكمل ومازال يحتفظ بيدها بين يديه
"تهورك وغيرتك وعصبيتك هما سبب كل أذى لكِ ولمن حولك ياابنتي.... غيرتك من ابنة عمك جعلتك دائمًا تسببين لها الأذى مثلما دفعتيها بعصبية من أعلى الدرج لينكسر ذراعها، فقط لأنها ارتدت ثوب يشبه ثوبك فجعلتي غيرتك وعصبيتك تتحكم بك فسببتي لها الأذى.... ومع ذلك أنكرت هي أنك من فعل بها هذا وعندما واجهتها بمعرفتي للأمر بكيت وترجتني أن لا أعاقبك حتى لا تكرهيها أكثر وتخاصميها وأقسمت أنك لم تتقصدي ذلك أبدًا"
صدمت من حديث جدها لقد ظنت أن لا أحد يعلم بهذا الأمر غيرها ووتين فقط... فهي أبدًا لم تقصد أن تسبب لها الأذى ذلك اليوم فقد كانت غاضبة وتتحدث وهي تدفعها ليختل توازن وتين وتقع من أعلى الدرج، فزعت وقتها وخافت عليها كثيرًا لكن تقسم أنها لم تكن تقصد أن تتأذى وتين بهذا الشكل، لكن واضح أن جدها يعلم كل أخطاءها...
لماذا تشعر أنه يقوم بتعرية خفاياها وفتح غرفها المغلقة الممتلئة بغبار الطباع الكريهة..
لتنظيفها وتعقيمها...
ابتلعت ريقها و ردت بوهن وخزي ودموع تتساقط
"أقسم لم أقصد أن أدفعها"
"أعلم"
تنهد بإرهاق وأكمل
"وهذا ما قصدته يا ابنتي، أنتي تتحولي لأداة في يد الغرور والتهور والغيرة.... وهذه صفات سيئة أقتليها يا ابنتي وتحرري منها وكوني قوية كما عهدتك"
أومأت واقتربت تضع قبلة على جبينه وتكلمت
"أعدك جدي أن أقتل هذه الصفات للأبد....ولن أجعلها تتمكن مني مرة أخرى أقسم أنني لن أحزنكم مرة أخرى"
أهداها ابتسامة وربت على وجنتها وهتف بيقين
"أعلم أنك تعلمتي درسك جيدًا"
تركته يومها وذهبت لغرفتها وبقيت بداخلها يومين تتذكر كل ما مرت به بحياتها من أخطاء وهي تحاسب نفسها وتأخذ قرار دون رجعة فيه وهو أن تكسب قلب الجميع وستمحي حماقتها للأبد تقسم بحياة أبيها وأمها أنها لن تخجلهم مرة أخرى ابدًا وستجعلهم يفخرون دائمًا بها فحان وقت الرضى بما قدر لها وعدم النظر لِما بيد غيرها كما أخبرها جدها...
أفاقت من شرودها وتقدمت تكمل لغرفة أبيها وطرقت الباب بهدوء ودخلت عندما سمعت إذن الدخول..
دخلت وجدت أمها وأبيها جالسين بصمت على الأريكة لتقترب شبه راكضة وجثت عند قدميهم وأجهشت ببكاء عميق مزق نياط قلب أبيها وأمها اللذان لم يتحملوا انفجارها بالبكاء هكذا ولا خصامهم لها...
سحبتها أمها من يديها لتجلسها بينهم وتأخذها في أحضانها وتربت عليها بصمت أبلغ من مئات الكلمات بعد قليل نظرت لأبيها قبل أن تناديه بخفوت وهو مطرق رأسه
"أبي ألم تشتاق لأميرتك الصغيرة"
قالتها بطفولية محببة لمست قلبه كعادتها ليسحبها بين أحضانه ليسمعها تهتف ببكاء
"أنا أسفه"
ربت على رأسها بحنان ممزوج بحزن واشتياق لصغيرته يعلم أنها اعتذرت لأبيه وأخيه وزوجته ومن مريم أيضًا، كما يعلم أنه لم يعد يتحمل خصامها فهي ابنته الحبيبة وروح فؤاده ويتمنى أنها لا تعد تفتعل الحماقات بعد الآن ومع ذلك لابد أن يوضح لها أمرًا
"أنصتي لي ابنتي لأن ما سأقوله لن أكرره مرة أخرى.... أنا لم أعاتبك ولم ألومك على فعلتك لأني أعلم أنك سمعتي الكثير من كل العائلة وقالوا ما كنت أود قوله.... لكنهم لن يشعروا بمدى خزي وجرحي من فعلتك أبدًا"
قاطعته بدموعها تريد الحديث لكنه أكمل بحزم رغم نبرته الخافتة ..
"لا تقاطعيني.... أنا وطوال حياتي أعتبرك العالم الخاص بي ولست ابنتي وهذا ما جعلني أصمت.... جرحك لي ومدى حزني من فعلتك جعل كلام العالم ليس له قيمة أمام جرحي أنا وأمك من فعلتك، لذلك وجب أن تعلمي أننا لن نتحمل أي فعل أحمق منك بعد الآن.... يكفي ابنتي... يكفي أن تشعرينا بالفشل"
انفجرت بالبكاء وألمها قلبها على جرح أبيها وأمها التي لم تنطق بحرف منذ دخولها عليهم...
مدت يديها تمسك بكف أبيها وأمها وهتفت بصدق ودموعها خير دليل
"أقسم أنني لن أحزنكم بعد الآن وأن الموت سيكون أهون عندي من جرحكم مجددًا... أعدكم.... فقط أعطوني فرصة أخيرة لأثبت لكم ذلك"
سحبها أبيها إلى أحضانه بصمت أبلغ من كلام العالم كله ومد كفه يمسك بكف كاميليا لتهديه إيماءة من رأسها وابتسامة مطمئنة، بادلها ابتسامتها وانحنى يقبل رأس ابنته وهو يتمني أن تصدق في وعدها له لأنه حقًا لن يتحمل منها إي جرح بعد ذلك، فهو لم يبالغ حينما قال لها العالم جميعًا يراكِ إبنتي لكني أراك العالم أجمع وكأن قلبها سمع قلبه وحزنه فهتف يطمئنه بدقاته ويبلغه
أن ابنته لن تكسر بخاطره أبدًا... ربت على ظهرها وقبلها من جبينها ووجنتيها لتضمه أكثر وأكثر علها تختفي بداخله وتروي اشتياقها له..
*******
مد يده يطرق الباب قبل أن يزفر بضيق لا يحب أن يأتي إلى هذا البيت كثيرًا، بيت أبيه الذي يأتي إليه كضيف، مجرد ضيف بعد أن هدم عالمه بفراق أمه الحبيبة
بعد أن كانت تضج حيطان هذا المنزل بصخبه معها... الحبيبة والصديقة والأم الحنون، كانت مركز الكون بالنسبه له..
تنهد بإشتياق وحزن فها هو مازال على الباب وتدفقت الذكريات التي لم ينساها ولو ليوم...
يسمع أصوات ضحكاتها كلما دخل عليها المطبخ ليستفزها ويخرجها عن شعورها قبل أن ينقض عليها يقبل وجنتيها ويدغدغها ليسمع صوت ضحكاتها التي تطربه وتشعره بالحياة...يراها وهي تجلس بقربه وهو يتابع إحدى أفلام الرعب مع أنها لا تحبها ولكن كانت تشاركه كل شئ يحبه...وها هو يسمع صوتها وهي تضحك على حديثه، ومشاعره المستحدثة لتلك الصغيرة المزعجة التي سرقت دقات قلبه الأخضر... قبل أن تنصحه بأن هذه مشاعر مراهقة وحتى لو كان حبًا حقيقيًا عليه ألا يتجاوز الحدود أبدًا وأن يحترم صديقه وبيته ولأنهم أيضًا مازالوا صغار والقلوب دائمًا تتقلب.
وقف يدور في فلك الذكريات كأنها فيلم يشاهد أحداثه التي تتكرر كلما حضر إلى هذا البيت...
البيت الذي تركه بعد فاجعة موت أمه، أمه التي كان يجالسها ولم تكن تعاني من شئ لتسعل وتشعر أنها على وشك الاختناق وتنظر له هو ووالده وتقول كلماتها الأخيرة التي مازالت تحرق قلبه
" سوف أموت ياطارق "
وأغمضت عيناها لتدخل بغيبوبة وبعدها بأيام قليلة توفيت بالمشفى ....أنهار عالمه و لم يكن يستوعب الصدمة حتى تفاجأ بأبيه يخبره أنه سيتزوج لأنه لن يبقى هكذا، وكأنه تلبس ثوب الحزن لأعوام عديدة وليست مجرد أيام قليلة، ولم يمر سوى شهرين ليتزوج، فما كان بيده سوى أن يبارك زواجه ويرحل تاركًا له ولعروسه المنزل ليستقل بمنزل خاص به ليلعق جراحه وأحزانه التي مازالت تقتات على روحه كلما حضر إلى هنا مد يده ليمسح دمعات الاشتياق وزفر أنفاسه عله يزيح الألم الجاثم على صدره وطرق الباب..
"مرحبا طارق كيف حالك "
أومأ لزوجة أبيه و رد تحيتها بأدب
"بخير الحمد لله....أين أبي"
أشارت له أن يدخل وهي ترد
"بالداخل سأخبره أنك هنا"
أومأ بصمت يشاهد انسحابها ليزفر بضيق للمرة المائه فهو يختنق كلما حضر إلى هنا...هو لم يكره أبيه ولم يكف عن حبه للحظات وإذا أصابه مكروه سوف يموت...ومع ذلك بداخله جزء صغير عاتب عليه وحزين منه لعدم مساندته ومواساة فقده، وعدم تقدير مشاعره بذلك الوقت... جزء منقوش بالخزي والألم والعتاب... صحيح أنه لم يمانع تركه المنزل، لكنه تكفل بدفع ايجار شقته ومصاريف جامعته وحتى مع عمله بالشركة لم يتكاسل أبدًا بإعطائه مصاريفه الشخصية ومصاريف دراسته وبقى هو يوفر راتبه طوال هذه السنوات إلى أن اشترى شقته الحالية القابعة بمنطقة راقية بالمدينة وسيارته وتوفير مبلغ مالي أيضًا...أبيه لم يقصر معه ماديًا بل معنويًا...
"كيف حالك يا بني"
وقف طارق ليسلم على أبيه ليضمه الأخير بحنان ويسحبه ليجلس بجواره على الأريكه ليرد طارق
"بخير يا أبي....وأنت كيف حالك"
أومأ مسعد لإبنه وهو يحك رقبته الخلفيه وقال
"الحمد لله بخير" ثم أتبع قائلًا
"كيف عملك"
أومأ طارق وهتف بإبتسامة
"الحمدلله أبي كل أموري بخير"
"جيد يا بني"
قالها وتنحنح وصمت بعدها لينظر له طارق بشك وقال
"ماذا تخفي عني يا مسعد....أنا لست مرتاحًا لك"
تصنع مسعد الحنق ومد يده ومسك أذنه ليضحك طارق وقال
" أبي أنا كبرت على هذه الحركة"
ترك مسعد أذنه وقال ببرود
"إذن تصرف كالكبار"
ضحك طارق وانحنى ليقبل يد أبيه وقال
"لا حرمني الله منك أبي"
ربت مسعد على رأس ابنه وحدثه بنبرة ثابته
"إذن أرح قلبي وتزوج لأطمئن عليك"
تغيرت ملامح طارق ورد بإقتضاب
"ليس الآن يا أبي"
تكلم مسعد بلهفة وقال
"لِما بني... أنت كبرت ومحتاج زوجه وانا أمامي عروس جيدة"
ليتنحنح ويكمل
"قريبة أمال زوجتي مارأيك أن تراها وبعدها تقرر فهي حقًا جميلة.... ويمكنك سؤال ليال عنها فأنت تثق برأيها"
زفر بضيق وتحكم في نبرة صوته كي لا ترتفع بوجود أبيه ليتكلم
"أبي عندما أقرر الزواج ستكون العروس من اختياري"
حاول أبيه الكلام ولكنه قاطعه وقال
"أرجوك أبي يكفي كلام بهذا الموضوع"
صمت أبيه ولكن عقله هو لم يصمت كيف له أن يتزوج وقلبه أسير لأميرة صغيرة مزعجة، لتكبر الأميرة وتتحول لأميرة مغرورة سرقت قلبه وأسرت روحه واستوطنت كيانه، لتصبح لعنته وألامه التي لا تنتهي وحبيبته التي بينه وبينها أسوار لن تهدم بسهولة..
******
تطلعت في المرآة تضع حجابها كي تنزل للعشاء فطارق سيأتي ليتعشي معهم لأن اليوم جدهم سيشاركهم المائدة بعد غياب شهر كامل وثلاث أسابيع منذ اتفاقهم على الانفصال وهو يتحاشى رؤيتها والحديث معها، يذهب لعمله بشركة العائلة، فهو أصبح يمسك الشؤون القانونيه الخاصة بكل أعمالهم وكذلك يتعلم أساسيات العمل بطلب من جدهم وأبيه، يذهب عمله وعندما يعود يأكل وبعدها يختفي بالغرفة الأخرى وهكذا كل يوم، تعلم أن هذا أفضل لها كي تتحمل البعد لكنها تشتاق له تشتاق لرائحته التي تستنشقها بملابسه المستعملة وهي تجمعهم لغسلهم ودائمًا تسأل نفسها لِما لم يشتاق لها، لِما لم يحبها، هل إلى هذا الحد لم تترك به أي أثر ولو صغير؟
تنهدت وزفرت تمنع عيناها من الدموع فهي لا تريد أن تبكي الآن، فيكفيها بكاء لن ينفعها بشئ..
خرجت من الغرفة وهي تعدل كنزتها التي تصل إلى فوق ركبتها بقليل وترتدي بنطال من الجينز الضيق يظهر تفاصيل ساقيها بسخاء و حذاء ارضي مفتوح يظهر طلاء أظافر قدمها...كانت مشغولة بربط حزام الكنزة من الخلف قبل أن تصطدم بالحائط البشري الذي لا تعلم من أين أتى
سمع صوت أنينها فور اصطدامه بها فقد كان كل انتباهه في الهاتف ليصطدم بهذا الجسد اللين والرائحة الهادئة المسكرة التي تصل إلى أنفه وتدغدغ مشاعره لتصيبه برجفة اشتياق ضربته بصميم مشاعره... لم يشعر بنفسه الا وهو يحاوط خصرها بذراعيه...
طوال الأيام الفائتة وهو يحاول الا يحتك بها حتى لا يقع في دوامة تذبذب المشاعر مرة أخرى فقربها يغرقه في طوفان من المشاعر التي تهلكه بدون رحمه...لقد كان يقنع نفسه أنها لا تعني له شئ وانجذابه لها مجرد انجذاب جسدي لا أكثر، وها هو الآن يغرق في دوامة من المشاعر مجددًا وهي قابعة في أحضانه...
حاول لملمة شتات نفسه ومشاعره المبعثرة وتنحنح ليشتت انتباهه عن المشاعر التي تغزو جسده بهذا الوقت..
انتفضت تبتعد عنه بحركة سريعة بعد أن تغلبت على مشاعرها التي تتوسلها القرب والضعف الذي يغزوها كلما اقترب منها أو استنشقت رائحته التي باتت تدمنها
ابتعدت عدة خطوات ليتمكن من النظر إلي وجهها المليح وقيمها بنظرة ذكورية وفي كل مره يعترف أنها حقًا جميلة
لفت إنتباهه بنطالها وزاد حنقه وضيقه من أن يراها طارق هكذا، لم يتحكم بنبرة صوته الحانقه وتحدث بضيق
"بنطالك"
نظرت له ولبنطالها و ردت بعدم فهم
"ما به"
"ضيق ويظهر تفاصيل ساقك بكرم مبالغ به الحقيقة"
نظرت له بذهول وتكلمت بغباء
"ماذا"
رد عليها وهو يزفر بحنق
"هل أقول كلامًا غير مفهوم.... اذهبي وبدليه الآن"
أنهى كلامه وهو يشير لها نحو الغرفة... نظرت له وبحاجب مرفوع وبنبرة حانقة تكلمت
"الكنزة طويله وتغطي معظم ساقي لا تبالغ"
ضغط على أسنانه وبنبرة مقتضبة ..
"الآن سوف تبدليه وتين ولا تعانديني "
"لن أفعل"
"لا تتحديني"
اقتربت خطوة وتخصرت وقالت بتحدي بارد
"لا أخاف منك"
"حسنا لا تلومي سوى نفسك يا حلوتي"
قال جملته بنبرة خبيثه ليسحبها مرة واحدة داخل أحضانه وامسك رأسها بكفه وأهداها قبلة ملهوفة راغبة وكم تمنى فعلتها منذ رؤيتها بعد هذا الغياب الذي كان يجبر نفسه عليه، قبلة يشكو بها تذبذب كيانه وتناقض مشاعره التي لا يفهمها بوجودها...
سمحت له يقبلها كما يشاء بل أغمضت عيناها وتجاوبت معه وهي متأكدة أنها النهاية...لقد باتت تكره نفسها الضعيفة تجاهه، لماذا دائما تكون بحضرته كصائم وضع أمامه الطعام بعد الأذان فينقض عليه بلهفة شديدة من شدة جوعه..
وبالرغم من تناقض مشاعرها بادلته قبلته الأخيرة التي ستستمتع بها إلى أخر لحظة...
رفعت يدها تضعها على عنقه واليد الأخرى داخل خصلات شعره تعبث بهم لتسمع صوت أنينه الملهوف
شعرت بيده تلمسها بحميمية وقبلته زادت عمق ولهفه وهو يشدد من احتضانها والتمسك بها بقوة..
حاولت أن تبتعد وتناديه بضعف عله ينتبه لها ولكنه كان غارق بها
صرخت بإسمه وهي تشعر بيده على ظهرها من تحت كنزتها..
لينظر لها بتيه وعيون أظلمت من قوة رغبته بها
وضع جبينه على جبينها وأغمض عيناه يلهث أنفاسه الساخنة...
أغمضت عيناها تستنشق أنفاسه وتملئ بها رئتيها وهي تقسم أنه الوداع ...يكفي هذا فكل يوم يمر تكره نفسها أكثر وأكثر، لكم تمنت أن يعشقها ويتمسك بها...
لم تكن تريد سوى عشقه، وتمنت ان يرفض الانفصال عنها لكنه وافق بسهولة...
حاولت استجماع قوتها بعد أن ابتعدت بضع خطوات وعدلت ملابسها بإرتباك وبيد ترتجف وهي تتحاشي النظر له وتحدثت بنبرة خافته حاولت أن تكون حازمة لكنها خرجت مهزوزة بعض الشئ..
"يكفي بدر.... انتهينا"
صمتت برهة تستجمع الكلام بعقلها وتلملم شتات أعصابها وأكملت
"الأن أنا أطالبك بوعدك "
نظر لها بعدم استيعاب وتحدث بنبرة مرتجفة من هول مشاعره بهذه اللحظة
"ماذا "
" وعدك لي...الطلاق بدر"
صعق من الطلب كأنه لم يسمعه من قبل...بل أنه حتى لم يوعدها بتلبية رغبتها، لِما يشعر كأنها صفعته بقوة وما هذه المرارة التي ملئت جوفه دفعة واحدة..
لم يرد عليها بل تحرك غاضبًا ليخرج من الشقة كلها وصفع الباب خلفه بقوة اهتزت لها الجدران.
رفعت يدها تربت على قلبها وكأنها تهدهد طفل صغير لعله يهدأ وينام، ومع ذلك هي مصره على قرارها حتى لا يأتي اليوم الذي تكره به نفسها كما تكره ضعفها واستسلامها له، لقد تمكن عشقه منها كما يتمكن المرض الخبيث من الإنسان ولن يخرج إلا بخروج الروح من الجسد...
ليتك تمنعني من تركك...
ليتك أحببتني ولو جزء صغير...
ليتك ترفض وتصرخ أنك تريدني وتعشقني، أقسم أني لن أتحمل فراقك ولكن أنا أنانية في عشقك وأريدك كاملًا...
جسدًا وقلبًا وروحًا، لن أقبل أبدًا بنصفك أو بفتات مشاعرك، أبدًا، لذا الحل هو الانفصال، على الأقل سيسقط حقي بك لعلي أرجع إلى سابق عهدي وأخفي عشقك بقلبي وأكمل حياتي، بدلًا عن العذاب الذي يحرق روحي وقلبي...
"ليتك أحببتني يا حبيب العمر".
رواية استوطننى عشقك الفصل السادس 6 من هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية استوطننى عشقك)
تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)