رواية رجوة الفصل الثانى 2 بقلم ليليا
رواية رجوة البارت الثانى 2
رواية رجوة الجزء الثانى 2
رواية رجوة الحلقة الثانية 2
رواية رجوة بقلم ليليا
رواية رجوة |
رواية رجوة الفصل الثانى 2
البارت الثاني
دخل علينا الشيخ ناصر في الخامسة والستين من عمره تدل ملابسه البسيطة وملامحه المتجعدة علي الهيبة والوقار، فوقفت احتراما له وقبيل ان اصافحه مسلما تقدم صديقي كمال وقال: حضرته الشيخ ناصر احمد، ثم لفظ اسمي مشفوعا بكلمة ثناء، فحدق الي الشيخ هنيهة لامسا باطراف اصابعة جبهته العالية، المكللة بالشعر الابيض كالثلج، كانه يريد ان يسترجع الي ذاكرته، صورة شيئء قديم مفقود ثم ابتسم الي ابتسامة تدل علي الفرح والسرور واقترب مني قائلا: انت ابن جمال حبيب انه صديق قديم، قضيت ربيع عمري برفقته، فما اعظم فرحي بلقياك عزيزي انك تشبه اباك كثيرا، وكم انا مشتاق الي لقاء ابيك؟!.
فتاثرت لكلامه وشعرت بجانب خفي يبث الطمأنينة بقلبي، مثلما تقود الغريزة العصفور الي وكره، قبيل مجئء العاصفة، ولما جلسنا نحتسي القهوة اخذ يقص علينا احاديث صداقته لوالدي متذكرا ايام الشباب التي صرفها بقرية، تاليا علي مسامعنا اخبار اعوام قضت فكفنها الدهر بقلبه وقبرها في صدره...
ان الاصدقاء عندما يشيخون يرجعون بالفكر الي ايام شبابهم رجوع الغريب المشتاق الي مسقط راسه، ويميلون الي سرد حكايات وقصص الصبا تميل الشاعر الي كتابة وتنغيم قصائده بتلك الاحاسيس والمشاعر والشوق والحنين الي رفقتهم التي تذكرها العم ناصر، حيث ان الشيوخ يعيشون بالروح في زوايا الماضي الغابر لان الحاضر يمر بهم ولا يلتفت والمستقبل يبدو لاعينهم متنقب ومختبئء بضباب والعتمة.
وبعد مرور ساعتين تقريبا مرت بين الاحاديث والتذكارات مرور ظل الاغصان علي الاشجار، وقف عمي ناصر وهم بالرحيل، ولما دنوت منه مودعا اخذ يدي بيمينه ووضع شماله علي كتفي قائلا: انا مشفتش والدك مدة عشرين سنة، اتمني من كل قلبي اشوفه لانه صديقي الصدوق، ابوك اكتر من اخويا يا طه، مع السلامة يابني اهتم بنفسك.
فانحنيت شاكرا واعدا ما يجب علي الابن نحو صديق ابيه.
ولما خرج عمي ناصر نظرت الي صاحبي فهم باخباري فقال بلهجة يساورها التحذر: لا اعرف رجلا سواه في الاسكندرية قد جعلته الثروة فاضلا والفضيلة ثريا، هو واحد من القليلين في هذا الزمن الذين يجيئون هذا العالم ويغادرونه قبل ان يلامسوا بالاذي نفس المخلوق، ولكن حسب خبرتي في هذه الحياة، غالبا ما يكون هؤلاء الرجال تعساء مظلومين، لانهم يجهلون سبل الاحتيال التي تنقذهم من مكر الناس وخبثهم، ولناصر احمد ابنة وحيدة تسكن معه منزلا فخما في ضاحية المدينة، وهي تشابه بالاخلاق وليس بين النساء من تماثلها رقة وجمالا، وهي ايضا ستكون تاعسة لان ثروة والدها الطائلة توقفها الان علي هاوية مظلمة ومخيفة.
لفظ صديقي الكلمات الاخيرة وظهرت علي محياه بوادر الحزن والغم والاسف ثم تنهد وقال: ناصر احمد شيخ شريف القلب، كريم الصفات ولكنه ضعيف الارادة يقوده رياء الناس، كالاعمي وتوقفه مطامعهم كالاخرس، اما ابنته فتخضع ممتثلة لاوامر والدها وارادته الواهنة علي رغم كل ما في روحها الكبيرة من القوي والمواهب، وهذا السر الكامن وراء حياء الوالد وابنته.
وقد فهم طه هذا السر رجل يأتلف في شخصه الطمع بالخبث والرياء واكل السحت، وهذا الرجل هو عامر تسير قبائحه بظل الطيبة للناس وياخذ امواله ويدعي الفضيلة والطيبة وانه يخاف الله، تخافه الناس لقوته ودهائه وسلطته، ولهذا عامر ابن اخ اسمه جابر تتصارع في نفسه عناصر المفاسد والمكاره مثلما تنقلب العقارب والافاعي علي جوانب الاراضي والمستنقعات، وليس بعيدا ذالك اليوم الذي ينتصب فيه عامر وجاعل ابن اخيه عن يمينه وابنة ناصر احمد عن شماله، رافعا بيده اكليل الزواج فوق راسيهما وجاعلهما زوجا وزوجة، وبهذا تكون قد حكم علي حياته وحياة ابنته بلموت المحتوم.
وحول صديقي كمال وجهه ونظر من النافذة ينظرالي السماء، كانه يبحث عن اسرار الايام والليالي وبين دقائق الاثير.
فقمت من مكاني ولما اخذت يده مودعا قلت له: غدا سأزور عمي ناصر احمد احتراما له لانه صديق والدي قبل رجوعي الي القاهرة.
فبهت بي كمال واومأ براسه لي ولم يقل شيىء ولكن تغيرت ملامحه كان كلماتي القليلة البسيطة قد اوحت اليه فكرا جديداهائلا، ثم نظر في عيني نظرة طويلة غريبة، نظرة محبة وشفقة وخوف، نظرة لم افهمها، ثم ارتعشت شفتاه يود قول شيىء ولكنه لم يقل، فتركته وسرت نحو الباب بافكار متخبطة، وقبيل ان يلتفت الي الوراء رايت عينيه مازالتا تتبعاني بتلك النظرة الغريبة، كانها تنصحني تريدان ارحل دون رجعة الي الاسكندرية، تلك النظرة التي لم افهم معانيها حتي عتقت نفسي من عالم المقاييس والكمية وطارت الي مسارح الملأ الاعلي حيث تتفاهم القلوب وتنمو الارواح بالتفاهم.
رواية رجوة الفصل الثالث 3 من هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط هنا (رواية رجوة)
تابعونا على التليجرام من هنا (روايات شيقة ❤️)